العراقيون والمليشيات والرعب المستمر




في الوقت الذي يدعو فيه السياسيون العراقيون إلى ضرورة تطبيق الدستور، نلمس في كل لحظة خرقاً كبيراً للدستور، الذي يبدو أنه أصبح قانوناً مطاطاً
وقابلاً للتنفيذ على فئات محددة من الشعب حصراً، وليس عقداً اجتماعياً ينظم الحياة في عموم مرافق الدولة والحياة.
الحديث عن المليشيات في المشهد العراقي الحالي، هو نوع من اللعب بالنار؛ لأن تلك المليشيات تستهدف كل من يشير إليها ولو بالتلميح؛ وذلك لأنها تمتلك سطوة كبيرة في الشارع، أكبر من سطوة القانون المغيب، وحتى من سطوة المقاومة، التي لا تريد أن تشعل فتنة بين المواطنين؛ عبر مجابهة هذه العصابات.
العراقيون اليوم يعيشون حالة من الرعب المجتمعي؛ وذلك من هول الانتشار الواضح للمليشيات؛ حيث يصحو المجتمع العراقي - في كل يوم تقريباً - على جريمة بشعة ترتكبها عناصر المليشيات الإجرامية، المدعومة من القوات الحكومية، بل إن الكثير من قوات الأمن الحكومية هم من المليشيات أصلاً، وذلك بعد أن تم دمجهم في الأجهزة الأمنية في مرحلة ما بعد الاحتلال.
أما أساليب تنفيذ الجريمة فهي متنوعة، فمرة تكون بالتصفية الجسدية المباشرة عبر الأسلحة الكاتمة، وأخرى تكون بالحرق وثالثة تكون بالتعليق على أعمدة الكهرباء، ورابعة تكون باختطاف الأبرياء؛ ومن ثم مساومة الأهالي على مبالغ مالية خرافية؛ وغيرها من الأساليب، التي لم تعرفها البشرية من قبل!
المليشيات اليوم منتشرة في العراق، كانتشار السرطان في الجسد، وهي أبرز ما تكون في عموم محافظة ديالى، شمال شرق العاصمة، وفي مناطق حزام بغداد، وفي الأجزاء الغربية من محافظة البصرة الجنوبية.
محافظة ديالى، وبالتحديد المناطق الشرقية من المحافظة، تشهد انتشاراً علنياً للمليشيات، وهي تختطف المواطنين، وتقتل الكبار والصغار، والحكومة المحلية وقوات الأمن تقف موقف العاجز، وفي بعض الأحيان تكون طرفاً في الجريمة.
وآخر جرائم المليشيات في ديالى، هي الجريمة، التي وقعت يوم الجمعة الماضي، قبل عشرة أيام تقريباً، وذلك حينما، أعدم عناصر المليشيات (73) مصلياً، وجرحوا (18) آخرين؛ في مسجد مصعب ابن عمير في قرية حمرين بمنطقة إمام ويس، شمال شرق قضاء المقدادية.
الجريمة وقعت في وقت صلاة الجمعة، حينما دخل أربعة من المجرمين، وهم يحملون الأسلحة المتوسطة، البي كي سي، وقتلوا حارس المسجد، وأعدموا جميع المصلين داخل المسجد، ثم بعد ذلك انسحبت القوة المنفذة للجريمة من أمام قوات الأمن الحكومية، التي كانت مرابطة على بعد (200) م فقط، والتي لم تحرك ساكناً؛ على الرغم من أصوات الرصاص التي ضجت بها أنحاء المنطقة!
هذه الجريمة البشعة، أشعلت الشارع العراقي، وهو ما دفع محافظ ديالى السابق عمر الحميري للدعوة " لتشكيل سرايا مقاتله للدفاع عن أهل السنة في المحافظة؛ لحقن دمائهم وحمايتهم من هجمات من وصفها المليشيات الإرهابية التي هجرت واستباحت أرواح أهل السنة في المحافظة"!
وهذه سابقة خطيرة ربما ستشعل البلاد، وسط عجز حكومي واضح في حماية أرواح المواطنين وأملاكهم!
هذه الجرائم لم تقف عند حدود ديالى فحسب، بل هنالك خلايا مليشياوية في أجزاء كبيرة في العاصمة بغداد، وفي بداية يوليو/ تموز، 2014، ذكرت صحيفة التايمز البريطانية في تقرير لها من بغداد حول " استهداف السنة في بغداد من جانب فرق موت"، أن " معدلات القتل ارتفعت بنسبة (20) في المائة خلال الأسابيع الأخيرة، وأن اسم الشخص قد يحمل له حكماً بالإعدام في شوارع العاصمة العراقية، وأن الاسم الأكثر خطورة هو اسم (عمر)، وأنه في يومي الأربعاء والخميس الماضيين وصل إلى المشرحة المركزية في بغداد حوالي (41) قتيلاً، معظمهم قتلوا برصاصة في الرأس، وأن من تم التعرف على هويتهم كانت أسماؤهم تساعد على تفسير سبب قتلهم، فقد كان "عمر" هو الاسم الأكثر شيوعاً بينهم"!
وهكذا؛ ستبقى المليشيات هي المصدر الأبرز لرعب العراقيين، في دولة يقال عنها ( إنها دولة قانون)؟!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى