الزيدي وبوش والمالكي 1 - 3



التاريخ لا يحابي ولا يجامل أحداً، كائناً من كان أو يكون، ومهما حاول المزيفون للتأريخ قلب الحقائق، إلا إن الحقيقة ستنجلي في نهاية المطاف، ومشكلة تزييف التأريخ أكثر ما تبدو هذه الأيام في العراق،
فمنذ احتلاله نسمع من الإعلام المضاد -سواء التابع منه لقوات الاحتلال، أم الإعلام الحكومي والفئوي- بسيل من الأكاذيب والدعايات المغرضة، والتي تهدف إلى زعزعة روح المقاومة، ونشر الضعف والخوار بين الشعب العراقي المقاوم للاحتلال والطائفية، إلا أن هذه الحرب الإعلامية الخبيثة لم تؤت ثمارها، وهذا ما أثبتته الحادثة التي وقعت في أكثر المناطق تحصيناً، واقصد مقر الحكومة وقيادة الاحتلال في المنطقة الخضراء، وذلك حينما أطلق المقاتل العراقي منتظر الزيدي فردتي حذائه صوب الرئيس الأمريكي جورج بوش، في تحد واضح للشر والظلم، حتى إن هذه الحادثة نقشت في التاريخ المقاوم، ولا يمكن أن تمحى من ذاكرة البشرية بسهولة.
والذي شغلني بعد وقوع هذه الحادثة التي أدهشت العالم، هو منْ سيخلد بين هذه الشخصيات الثلاث التي كانت على مسرح العملية؟
هل هو الرئيس جورج بوش، رئيس الدولة الأولى في العالم، والذي وقع عليه الفعل؟ أم أنه رئيس الحكومة الحالية، المنصب من قبل الاحتلال نوري المالكي؟ أم أنه المواطن الغيور الإعلامي منتظر الزيدي؟
ومما لاشك فيه أن التاريخ سيكتب عن هذه الشخصيات الثلاث، لكن السؤال المهم هو ماذا سيكتب التاريخ عنهم؟
فالشخصية الأولى، الرئيس بوش، القائد العام للقوات المسلحة الأمريكية، باعتقادي إن التاريخ سيكتب عنه أنه تسبب باحتلال دولة عضو في الأمم المتحدة، ومنظمة دول عدم الانحياز، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ومنظمة الجامعة العربية.
وهذه الدولة، العراق، احتلت بأكذوبة، وبسبب هذه الأكذوبة قتل أكثر من مليون مواطن مدني بسلاح "ديمقراطي فتاك"، صنع خصيصاً للشعب العراقي، بل إن الوثائق أثبتت استخدام جيش الاحتلال الأمريكي للأسلحة المحرمة دوليا، وخصوصا في المعركة الفاصلة في المطار خلال الأيام الأولى للاحتلال، والتي قاوم فيها العراقيون ببطولة قلّ نظيرها، وتكتمت عليها وسائل الإعلام الغربية المأجورة المرافقة لقوات الاحتلال حينها.
ومن هذه الوثائق، الوثيقة البريطانية التي كتبها كبير مستشاري بلير للسياسة الخارجية، ونشرت بتاريخ 6 /4 /2006 والتي فيها "بوش كان مصمماً على غزو العراق دون صدور قرار دولي، وحتى لو أن المفتشين الدوليين للأسلحة فشلوا في العثور على أية أسلحة غير تقليدية".
وجاء في الوثيقة أن" بوش أبلغ بلير في اجتماع خاص تحديد موعد الحرب قبل أن يحصل على موافقة من الأمم المتحدة".
وكذلك استخدام تلك القوات لأسلحة كيماوية في معركة الفلوجة الأولى في تشرين الأول 2004، حيث أكد باحثون وخبراء عراقيون بتاريخ 11 /3/ 2007 أن" تربة مدينة الفلوجة تعاني من إشعاعات كيماوية سيبقى تأثيرها السلبي ضد الإنسان والنبات على مدى 50 سنة مقبلة، وأن غالبية مواطنيها مصابون بتلك الإشعاعات السامة، وأن من بين كل 10 أشخاص يوجد 6 مصابين بمواد سامة، كما لن تنبت فيها شجرة واحدة على مدى الأعوام الخمسين المقبلة".
وهذا الاحتلال فتح الباب -أيضاً- للتدخل الإقليمي في العراق، وتغلغلت المليشيات في مفاصل الحياة اليومية، وهُجر بسبب الاحتلال أكثر من أربعة ملايين في الداخل والخارج.
وكان من نتائج هذا الاحتلال جيلاً كاملاً -تقريبا- من الأيتام والأميين، حيث بينت دراسة متخصصة لمنظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة في بغداد، نشرت بتاريخ 8/ 4 /2007، أن عدد الأطفال الأيتام في العراق يقدر بنحو 4- 5 ملايين طفل، وأنهم في تزايد نتيجة الأعمال المسلحة والوضع الأمني غير المستقر.
ولم يسلم من التدمير والتخريب أي قطاع من قطاعات الحياة، حيث إنه شمل قطاعات النفط والكهرباء والماء والمجاري والزارعة والصحة والتجارة وغيرها.
والحق أن الرئيس بوش صدق في وعده بإعادة العراق إلى القرون الوسطى، ثم إننا نسمع بعد ذلك كلاماً عن "عراق جديد وديمقراطية"، ولا ندري هل نحن في القرون الوسطى؟ أم نحن في عراق جديد؟
فهل ما ذكرناه من تزييف للحقائق وقتل وظلم وتهجير، سيكتب في صفحات المجد والعز في تاريخ البشرية؟ أم انه سيكتب في صفحات الإجرام والقتل والتخريب والتدمير؟؟
وللحديث تتمة

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى