المصالحة العراقية.. من يتصالح مع من ؟



بينما كنت أطالع الصحافة العراقية قبل أيام استوقفني الخبر الآتي: «قال علي الدباغ الناطق باسم الحكومة العراقية أمس الثلاثاء، إن حكومة بغداد خصصت مبلغ 65 مليون دولار ضمن الموازنة العامة لعام 2009 تحت نشاط «مشروع المصالحة الوطنية»، انتهى الخبر.
ومن المعروف للجميع أن العراق يعيش أزمة حقيقية منذ احتلاله من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وإلى اليوم، وهذه الأزمة تتمثل في منْ نصبهم الاحتلال لتمثيل أبناء الشعب العراقي منذ أن أسس ما يسمى بـ»مجلس الحكم»، وإلى الساعة.

ومنذ عام 2005، وبعد أن لعبت المليشيات الطائفية بالأمن العام في العراق، وبدعم واضح من قوات الاحتلال الأمريكية، والحكومات الطائفية المتعاقبة حتى اليوم، بدأت - حينها - الجامعة العربية بتحركات للمصالحة الوطنية في العراق؛ وخلال تلك الفترة، حاولت الحكومات «العراقية» المتعاقبة اتهام أطراف عراقية، بعدم الرضا بالمصالحة الوطنية، وبضغط من جامعة الدول العربية وغيرها عقد مؤتمران للمصالحة في العاصمة المصرية، ضمّ العديد من المكونات العراقية الرافضة للعملية السياسية بالإضافة إلى مندوبين من الحكومة «العراقية»، وتم الاتفاق على جملة من القرارات، والتي لم ينفذ شيء منها حتى الساعة.
ومن القرارات التي تم الاتفاق عليها في القاهرة عام 2006:ـ
1- أن يكون الدستور الحالي ونقاطه الخلافية موضع مراجعة ونقاش عام ومسؤول من أجل الحفاظ على الوحدة الوطنية العراقية أرضاً وشعبا، وكذلك مطالبة كافة الجهات المعنية بوضع برنامج محدد لعودة كافة المهجرين إلى ديارهم وحمايتهم وتعويضهم.
وهذا مما لم يناقش بأي حال من الأحوال، رغم الوعود التي قطعتها الحكومة الحالية لبعض الجهات الداخلة في العملية السياسية، ومنها الحزب الإسلامي العراقي، رأس جبهة التوافق، من أجل تمرير الدستور، وإضافة الفقرة 142.
وتنص الفقرة 142 من الدستور المكتوب في ظل الاحتلال «على أن يشكل مجلس النواب في بداية عمله لجنةً من أعضائه تكون ممثلةً للمكونات الرئيسة في المجتمع العراقي، مهمتها تقديم تقرير إلى مجلس النواب، خلال مدة لا تتجاوز أربعة أشهر، يتضمن توصيةً بالتعديلات الضرورية التي يمكن إجراؤها على الدستور، وتُحل اللجنة بعد البت في مقترحاتها».
بينما نجد المادة 126 الخاصة بالتعديل الاعتيادي تنص على: (لا يجوز تعديل المواد الأخرى بما فيها المادة 142 إلا بعد موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب وموافقة الشعب بالاستفتاء العام ومصادقة مجلس الرئاسة خلال سبعة أيام ويعد التعديل مصادقاً عليه من قبل مجلس الرئاسة بعد انتهاء هذه المدة في حالة عدم تصديقه).
الخبير القانوني طارق حرب يرى أن «الفقرة (142) من الدستور حددت فترة زمنية، أمدها أربعة أشهر، لإكمال التعديلات الدستورية وتقديمها كسلة واحدة، وعليه فإن تجديد هذه المدة يحتاج إلى تعديل الدستور، وهذا لم يحدث، لا سيما وأن مدة السنة الخاصة بدورة الانعقاد الأولى لمجلس النواب قد انتهت».
وهذا يعني أن مهلة التعديل المقترحة على الدستور قد انتهت، وبالتالي فلا أمل في تعديل أي شيء من الدستور.
وحسب رأي حرب أيضاً، فإن اللجنة التي من المفترض أن يشكلها مجلس النواب لاقتراح تعديلات على أحكام الدستور، وافقت على التعديلات، وكذلك، مجلس النواب ووافقت الأغلبية من المصوتين؛ فإن هنالك شرطاً آخر، هو قبول هذه التعديلات، من ست عشرة محافظة على الأقل، أي موافقة أغلبية المصوتين في ست عشرة محافظة عراقية حتى ولو رفضتها محافظتان، ولكن إذا رفضها ثلثا المصوتين في ثلاث محافظات للتعديلات التي اقترحتها اللجنة، فإن موافقة اللجنة وموافقة مجلس النواب وموافقة خمس عشرة محافظة لا يمكن أن يقود إلى نتيجة وتعتبر تلك الموافقات غير ذات قيمة دستورية، وهنا لا يشترط الرفض أن يكون صادراً من ثلاث محافظات بأجمعية المصوتين، وإنما يحتاج إلى ثلثي المصوتين في ثلاث محافظات».
الجامعة العربية، من طرفها، قررت عدم التورط في مثل هذه المؤتمرات بسبب عدم تنفيذ ما تم الاتفاق عليه على أرض الواقع، حيث قال هشام يوسف مدير مكتب الأمين العام للجامعة العربية، نهاية العام الماضي إن الجامعة العربية لن تغامر بعقد مؤتمر جديد للمصالحة بين العراقيين في القاهرة قبل أن تحصل علي ضمانات بنجاحه، وأن الجامعة العربية عقدت جولتين للمصالحة، إلا أنها وجدت أن ما تم الاتفاق عليه في هذه المؤتمرات لا ينفذ على أرض الواقع، بالإضافة إلى وجود دوائر لا ترغب في أن تنجح هذه الجهود رافضا تسميتها.
وفي ضوء ما تقدم لا يمكن بحال من الأحوال حسب المحاصصة الموجودة في البلاد اليوم، إجراء هذه التعديلات المزعومة.
2- إعادة النظر في إجراءات وقرارات وآليات هيئة اجتثاث البعث، بما يضمن محاكمة، ومحاسبة المسؤولين عن ارتكاب جرائم في حق الشعب العراقي وذلك وفقا للقانون.
واليوم من الذي سيحاسب الذين ارتكبوا مجازر مشهورة بحق الشعب، وفي ذات الوقت تتحدث عن حفظ النظام وملاحقة «الإرهاربيين». 
3- محاسبة ومعاقبة المسؤولين عن ارتكاب جرائم بحق الشعب العراقي قبل وبعد 9 نيسان 2003 وتفعيل دور القضاء وجعله المرجعية الوحيدة في التعامل مع الإرهابيين الذين يجرمون بحق الشعب العراقي، وكذلك مع الجرائم وعصابات القتل والاختطاف وإيقاف الاعتقالات الكيفية والمداهمات من أي جهة إلا بموجب أمر قضائي.
وهذا الأمر، وأقصد الأمر القضائي صار العوبة بيد المليشيات، حيث تصطحب معها أوامر قضائية جاهزة، يضاف لها اسم من تريد اعتقاله والأمر لا يكلفها إلا «جرة قلم».
4- تفعيل هيئة النزاهة والحفاظ على استقلاليتها وحيادها ومكافحة الفساد.
5- دعوة الدولة إلى توفير الأمن وحل المليشيات وإنهاء المظاهر المسلحة غير القانونية بأشكالها المختلفة وإيجاد الحلول المناسبة لمنتسبيها.
حيث أن المليشيات الطائفية كان لها أدوار مشبوهة في هذا الجانب، وهي اليوم تمثل الغالبية العظمى من الجيش والشرطة في البلاد. 
6- بناء مؤسسات الدولة على أساس الولاء للوطن، وعدم التمييز بين المواطنين والاعتماد على معايير الكفاءات والخبرة في التعيين في مختلف أجهزة الدولة، بصرف النظر عن العرق أو الجنس أو المذهب أو الدين بما يحقق مشاركه فاعلة لجميع العراقيين بمختلف مكوناتهم.
7- الإسراع في بناء القوات المسلحة العراقية والقوات الأمنية على أسس وطنية ومهنية وفق جدول زمني محدد، يتزامن معه خروج القوات الأجنبية من العراق وتحقيق السيادة الكاملة.
8- توفير الإجماع السياسي والديني على المستوى الوطني للتصدي للمجموعات التي تستهدف العراق والعراقيين.
المصالحة التي تتحدث عنها الحكومة الحالية في العراق، ينبغي أن تتم بين السياسيين أنفسهم، وليس بين أبناء الشعب العراقي، لأن العراقيين تفهموا حقيقة المؤامرة، وعرفوا الجهات التي تقف وراء الحقن الطائفي، وعقلوا أن الخاسر الأكبر في نهاية المطاف، هم العراقيون أنفسهم، ولا أحد غيرهم.
أما هذه الملايين «65 مليون دولار» التي تحدث عنها الناطق باسم حكومة بغداد، ستضاف إلى المليارات من الدولارات التي سرقت من قوت الشعب العراقي المبتلى.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى