فاز علاوي ... خسر علاوي



منذ أن وطئت قوات الاحتلال بأقدامها الغريبة أرض العراق وحتى الساعة، وبلادنا تعيش بتناقضات لها أول، وليس لها آخر، فكل شيء في بلاد الرافدين يختلف عن بقية بقاع الدنيا، حيث القتل، والاعتقال العشوائي، والتهجير والتغييب، ومقابل هذه المصائب، نسمع الإعلام الحكومي يطبل على مسامعنا بعبارات:(الديمقراطية، والعهد الجديد، العراق الديمقراطي)، وغيرها من المصطلحات التي سئمنا منها، كما سئمنا من الاحتلال وأعوانه الذين جاؤوا بها، بل حتى الديمقراطية التي يتباهون بها تختلف عندنا عن بقية الدول، وهذا ما حدث في الانتخابات الأخيرة.
العراقيون اختلفوا في قضية المشاركة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي عقدت  قبل شهر تقريبا، وانقسموا إلى فريقين: فريق يرى ضرورة المشاركة من أجل التغيير والخلاص من الحكومة الطائفية المنتهية ولايتها، بينما يرى الفريق الآخر المقاطعة؛ لان هذه الانتخابات لا يمكن أن تغير من واقع الحال العراقي شيئاً؛ لأن الذي يريده الاحتلال يكون، والذي لا يقره لا يكون، وأنا مع الفريق الثاني؛ لأنني أظن أنه لا يمكن أن تكون الانتخابات حقيقية، ونزيهة تحت بنادق ومدافع المحتل.
 وعلى العموم إنتهت الانتخابات وفاز فيها من فاز، وخسر فيها من خسر.
وكانت النتيجة أن فازت القائمة العراقية، التي يترأسها رئيس الوزراء الأسبق أياد علاوي، وحصلت على (91) مقعدا، بينها حصلت قائمة دولة القانون التي يترأسها رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي على (89) مقعدا.
وبعد أن أَعلنت المفوضية العليا للانتخابات النتائج النهائية بدقائق معدودة، أطل علينا رئيس الوزراء المنتهية ولايته "المالكي" في كلمة يبدوا أنها أُعدت سلفا، وشكك، وهدد، وتوعد، رافضا في الوقت ذاته النتائج التي أعلنتها المفوضية، وقال بأن النتائج قد غُيرت وزُورت، ورغم ذلك قال بأنه ماض في تشكيل الحكومة، مشككا بنزاهة الانتخابات، وعمل المفوضية بعدما أشاد بها قبل أيام حينما كانت النتائج لصالحه.
كتلة علاوي من جانبها قالت بأنها ماضية في مشاوراتها لتشكيل الحكومة؛ لأنها الفائزة في الانتخابات، وهذا ما أكدته صناديق الاقتراع.
ومنذ الساعات الأولى التي تلت إعلان النتائج، دخلت البلاد في أزمة جديدة، تضاف إلى الأزمات الكثيرة والمستمرة الموجودة في الواقع العراقي المرير، تمثلت في (منْ سيشكل الحكومة: علاوي، أم المالكي، أم غيرهما؟!).
وفي اليوم التالي لإعلان النتائج قالت المحكمة الاتحادية العراقية في قرار لها إن القائمة الأكبر من حيث عدد المقاعد داخل البرلمان القادم هي التي ستشكل الحكومة، سواء أكانت كتلة واحدة، أم مجموعة من الكتل المتآلفة، وهذا القرار رفضته قائمة علاوي.
ثم إن توقيت القرار الذي تراه كتلة المالكي إلزاميا، بينما تراه كتلة علاوي بأنه تفسير للدستور وهو غير ملزم، هذا التوقيت يثير الريبة، ويؤكد أن يد الحكومة المنتهية ولايتها تقف وراء هذا القرار، وعلى العموم فان إنقلاب المالكي على "القانون الانتخابي الديمقراطي"، وهو الذي رفع شعار "دولة القانون" في حملته الانتخابية، أظهر الرجل على حقيقته، وأظهر تمسكه بكرسي الحكم، وكأن العراقيات لم يلدن إلا السيد المالكي؟!!
المهزلة الانتخابية التي حاولت الحكومة المنتهية ولايتها عرقلتها في مناطق عديدة في بغداد وغيرها، وبتنفيذ مباشر من قبل رجالها في القوات الحكومية الأمنية، وبثتها وسائل الإعلام المرئية مباشرة، هي لعبة أمريكية، وأعتقد أن العراق سيكون ساحة تصفية حسابات إقليمية عبر ما سمي الانتخابات البرلمانية الديمقراطية.
أما من هو رئيس الوزراء القادم؟ فأعتقد أن الائتلافات القادمة ستكون بعيدة عن علاوي والمالكي، ولربما سنسمع بتقارب وتحالف بين التحالف الكردستاني والائتلاف الوطني العراقي لتكوين الحكومة، ويبقى كل من علاوي والمالكي بعيدا عن رئاسة الوزراء.
والحقيقة أن صناديق قالت بأن رئيس الوزراء الأسبق أياد علاوي قد فاز، بينما اللعبة السياسية السقيمة في العراق تقول أنه قد خسر، وستبقى هذه السجالات بين أطراف اللعبة مستمرة إلى أن يقرر المحتل منْ سيكون رئيسا للحكومة القادمة، وحينها سنحتفل بالديمقراطية الزائفة التي يريدها الاحتلال وأعوانه في العراق الديمقراطي الجديد؟!!

وفي المحصلة الخاسر الأكبر في كل هذه المهازل هو الشعب العراقي المبتلى. ولا ندري إلى متى سنبقى ندفع ثمن أخطاء الاحتلال وأعوانه؟ والى متى سنتحمل هذه المهازل التي يحاولون إقناعنا بأنها تجارب ديمقراطية ستقودنا إلى بر الأمان؟!!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى

الذاكرة العراقية على حافة النسيان!

مليون أرملة في العراق الجديد