وفاءً للشهيد عبد الكريم جمعة



الغدر من أخس الصفات في النفس البشرية المريضة، وهو لا يليق بالرجال الذين يحملون ذرة من الغيرة على دينهم وبلدهم وأمتهم، والغدر ثوب الجبناء الأراذل الذين يعملون في الظلام، والذين لايعرفون مواجهة الحق، لا بل يكرهون الحق، ولو كانوا يحبون الحق لما ظلموا وما سفكوا دماً حراماً.
بالأمس، وبالتحديد مساء يوم الخميس 26/3/2009، إغتال الأشرار الشيخ المربي، والعالم الجليل عبد الكريم جمعة ـ رحمه الله ـ إمام وخطيب جامع جلولاء الكبير في محافظة ديالى العراقية، بينما كان خارجاً من منزله في طريقه، لأداء صلاة العشاء في الجامع الذي لم يفارقه منذ عشرات السنين، إلا بسبب إعتقال أو سفر.
والشهيد عبد الكريم جمعة ما يذكر إسمه، إلا مقرونا بمدينة جلولاء، فلا يقال إلا" الشيخ عبد الكريم جمعة، أبو جلولاء".
هذا الرجل الهميم رحمة الله الواسعة عليه، أفنى شبابه وعمره خادما للدعوة في مدينة جلولاء المختلطة من كل اطياف العراق عربا وأكرادا، سنة وشيعة؛ وكان لوجوده في جامع جلولاء الكبير، الدور البارز والفاعل في إخماد الفتن الطائفية والعرقية هناك، والتي حاول الغرباء إشعالها، من الذين باعوا ضمائرهم، وذممهم للأجنبي، ولأذنابه.
وما من أحد في جلولاء الا ويعرف الدور الريادي والتربوي للفقيد الراحل في ديالى عموماً وجلولاء خصوصاً، وما عرف الفقيد في حياته الا بفعل الخير والتسابق في بناء المساجد في القرى والأرياف، وما رايت أحداً من الذين إلتقيت بهم، قد ذكره بسوء أو ذم له موقفاً ما؟!!
وفي آخر لقاء لي بالشهيد ـ رحمه الله ـ وكان قد إستقر في سوريا، بعد أن تلقى تهديدات مباشرة، وغير مباشرة من بعض القتلة في جلولاء، قال إن "الاشرار مصممون على الخلاص مني"، وطلبنا منه أن يبقى بعيدا عن المدينة لحين جلاء الغمة، إلا أنه رفض البقاء في سوريا إلا لفترة محدودة، وبعدها فاجأ الجميع بعودته إلى جلولاء، بكل شجاعة ليكمل مشواره الدعوي الى الله، بين أحبته وتلامذته، بكل عزم وغيرة على الدين والوطن، وليختم مسيرته المشرفة في الدعوة بشهادة لاينالها الا الذين يحبهم الله تعالى.
فهنيئا لك يافقيدنا الغالي وعزاءنا انك مت شهيداً، وهذا ماكنت تتمناه، ولعنة الله على الاشرار الحاقدين الذين لم يحتملوا منك دعوتك الجامعة للجميع، الطاردة للافكار الغريبة الداعية الى تخريب العراق.
أيها القتلة الأشرار: هل هذا هو جزاء الذي ربى أجيالاً من أهالي جلولاء والمناطق المحيطة بها؟
وهل هذا جزاء، الذي كان يهجر أهله أياما وليالياً مسافرا في قطار الدعوة الى الله في قرى محافظة ديالى؟!!
أنا أعرف أن أهالي جلولاء الغيارى يعرفون القتلة، الذين تلطخت أيديهم بدم الفقيد الغالي ويعرفون جيداً، لماذا أستهدف عبد الكريم جمعة.
وما قَتَلَ الشيخ عبد الكريم جمعة، إلا الذين ملئت أنفسهم حقداً على الحق وأهله، وكل هذا الشر الذي أبتلي به العراق، ما عرفناه الا بعد أن صار بلدنا ساحة لكل من هبَّ ودبَّ، منذ أن وطئته أقدام الأجانب من الاحتلال وأعوانه.
فنم قرير العين يا أبا عبد القيوم، وهذه الدنيا والله حياة فانية، والشهادة لاتكتب إلا للابطال الغيارى، وأنت منهم، بإذن الله، لينالوا الرفعة مع النبيين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، ومع شهداء العراق والأمة الذين سبقوك للمعالي، الشهيد حسن النعيمي، والشيخ الدكتور فيضي الفيضي، والشيخ حازم الزيدي، والشيخ محمد جدوع والشيخ اناس النداوي، والشيخ خضر الانباري والشيخ الدكتور يوسف الحسان والكتور عصام الراوي ، وغيرهم من أعلام العراق وشهداء الهيئة الذين أناروا لنا الدرب في ظلمات الخنوع والاستعباد والرضا بالظلم والباطل.
فهنيئا لك هذه الرفقة المباركة.
وهنيئا لك يافقيد العراق، وستبقى كلماتك الجميلة الساحرة تدوي في كل مساجد مدينة ديالى، والتي لا أظن أنك تركت مسجدا، إلا وألقيت فيه درساً علمياً تربوياً خدمة لديننا وبلادنا.
رحمة الله عليك، ونسال الله العظيم لك الجنة، وللذين قتلوك الخزي والذل والعار في الدنيا والآخرة. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى