العراق بعد سبع سنوات من الظلم والاستهتار الأمريكي والحكومي (3)



وتواصلا مع ما ذكرناه في الحلقتين السابقتين من (العراق بعد سبع سنوات من الظلم والاستهتار الأمريكي والحكومي)، نتكلم عن تداعيات إحتلال العراق على قضية الأمة المركزية فلسطين، واستفادة بعض الدول من دخول العراق في نفق الإحتلال المظلم.

إحتلال العراق والقضية الفلسطينية
مما لاشك فيه أن إحتلال العراق قد عاد بالنفع الكبير على العديد من القوى الإقليمية في المنطقة ومنها الكيان الصهيوني" إسرائيل"، وإيران، وقد أكد هذه الحقيقة العديد من الباحثين والمفكرين، حيث اكد الدكتور حسن خاطر الأمين العام للجبهة الإسلامية المسيحية للدفاع عن القدس والمقدسات بأنه" لا شك أن إحتلال العراق أفقد الفلسطينيين حليفا استراتيجيا ، كما ساهم في إضعاف الموقف العربي العام من القضية ، وأدى إلى تمزيق هذا الموقف بين أقطاب ، ومراكز القوى العربية والإقليمية ، وهذه كلها تداعيات سلبية كبيرة على القضية الفلسطينية ما زالت آثارها واضحة حتى اليوم" .
أما الأستاذ ليث الشبيلات السياسي الأردني المعروف قال بان إحتلال العراق كان وراءه هدفان استراتيجيان هما ، النفط لأمريكا و( إسرائيل ) ، وكسر حكومة دولة سيادية عربية مهددة لوجود الصهاينة ، فلا شك أن المستفيد الأكبر هي ( إسرائيل ) والأمريكان نتيجة لوجود النفط .

فالأمريكان أوجدوا القيادة المركزية بالمنطقة في السبعينيات، والسفير الأمريكي في السعودية "ادكن" انتقد بشدة خطة وزير الخارجية الأمريكية آنذاك هنري كيسنجر لإحتلال الخليج ووصفها بالجنون حيث عزله كيسنجر بعد ذلك .. فكانت هناك خطة لإحتلال الخليج لكنه لم يكن مقرراً أية دولة سيتم إحتلالها ، هل هو العراق ، إيران ، كان الهدف الرئيسي من الخطة هو التواجد العسكري في منطقة الخليج، وبعد ذلك تم إختيار العراق ، لأنه يعد الدولة العنيدة التي تعرض ذلك" .

من جانبه قال الأستاذ ماهر أبو طير مدير تحرير الدستور الأردنية إن"( إسرائيل ) جنت من إحتلال العراق أهم جائزة ، لعدة أسباب؛ أولاً: اليهود يقرأون التاريخ ويشتغلون في علم النفس ويقرأون قضية الشعوب المجاورة لا يشتغلون بشكل اعتباطي مثل العرب ، ثانيا: يتأملون الطبيعة المجاورة لهم في كل الهلال الخصيب، فإذا قرأنا نحن الطبيعة الاجتماعية للشخص العراقي، السوري، اللبناني، الفلسطيني وحتى المصري، سنكتشف أن العنصر الأكثر صلابة وعناد في منطقة الهلال الخصيب ؛ هو العنصر العراقي، أي بمعنى الشعب العراقي حاصل على أدوات للوصول لهم، سوف يكون التأثير عليهم صعب، ثالثاً: يوجد عداء تاريخي بين اليهود وبين العراقيين يمتد منذ موجات السبي القديمة، رابعاً: العراق الدولة العربية الوحيدة المكتمل من حيث نوعية البشر الذي يوجد فيها حيث التعددية المتنوعة، وهذا كان لمصلحته قبل أن يحولوه ضده ، العراق الآن من حيث النفط والماء والتعليم والشراكة والإرث الديني والتاريخي حيث إنه الفاصل بين العالم المسلم والغير المسلم، فالعراق بما كان يمثله من حيث نوعية البشر والإرث التاريخي، ومن الإحساس بخطر اليهود على مستقبل الأمة ، كان لا بد من تحطيمه كعنصر قوة أساسي، فالعراق هو حالة الاكتمال العربية الوحيد، كما انه إذا لاحظنا دول الجوار سنكتشف شي خطير ،وهو أن الحواضن التاريخية العربية هي ثلاثة مصر الشام العراق ، فمصر مكبلة بديون المعاهدة ، وسوريا مكبلة بمشاكلها الداخلية، ويبقى لدينا عنصر قوي هو العراق، فحينما كسروا شوكة العراق، انتهى كل شيء ؛ فليهود تخلصوا من عدو تاريخي، وعدو مستقبلي خطير وقوي جدا؛ فمن الذي سيقف بوجههم الآن؟!"

قاضي قضاة فلسطين ورئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي الشيخ تيسير التميمي قال من جانبه وجه الشبه بين الإحتلالين الهيمنة والإذلال لشعبي العراق وفلسطين وان كان هدف الإحتلال لفلسطين أصلاً ترحيل وتهجير الفلسطينيين واقتلاعهم من أراضيهم فان نتائج الغزو الأمريكي للعراق قد أدت أيضاً إلى ترحيل وتهجير أكثر من أربعة ملايين عراقيين من وطنهم.
أما العراق فمن أهم أهداف إحتلاله حماية "إسرائيل" حيث أنهم يعتقدون بان امن وسلامة إسرائيل مرتبط بالسيطرة والهيمنة على العراق، فاليهود لم ينسوا قط بان زوال مملكتيهما في فلسطين كانت يد جيوش قدمت من العراق حيث قضى الآشوريين بقيادة سرجون الثاني على مملكة إسرائيل في السامرة عام 722 ق.م وقضى الكلدانيون على مملكة يهوذا بقيادة نبو خذ نصر عام 586 ق.م .

نائب مدير المركز العربي للدراسات الإستراتيجية الأستاذ رائد فوزي قال بأن " أطراف عديدة مستفيدة من حالة عدم الاستقرار في العراق أولها أمريكا وإسرائيل، ولا اعتقد إننا بحاجة لإقامة الدليل على ذلك. واعتقد من المناسب تحويل السؤال بصيغة من الخاسر الأبرز بما يجري بالعراق ستجد الشعب والمواطن العراقي" .

الدور الإيراني في العراق
أما الدور الإيراني في العراق فهو لا يخفى على أحد، وهو إحتلال آخر ينخر في الجسد العراقي الهش، وبهذا الخصوص قال البروفسور العراقي هيثم الناهي إن "الدور الإيراني في العراق من الأدوار المهمة والفاعلةِ لتغيير واقع ومستقبل العراق ، فقد يكون هناك تدخلاً أمريكيا في السياسة وإصدار القرار وقد يكون هناك تواجدا ملموسا للقوات الأجنبية على الأراضي العراقية وقد يكون وقد يكون... الخ من الدلالات الواقعية والتوثيقية لوجود الإحتلال الأمريكي في العراق ؛ والكل يعلم أن الإحتلال مهما استمر لا بد من أن ينسحب وينتهي وهو ما شهدناه في قراءاتنا التاريخية لمثل هذا الموضوع ، ولكن كيف بإيران ؟ إيران صاحبة نفوذ في العراق ونفوذ كبير قد يبدأ من عامل الأزبال إلى رأس السلطة وبالتالي لها القابلية على تحريك الشارع العراقي من خلال إصدار قرارات شغب وتعطيل العمل وما إلى ذلك ، من حالات اللااستقرار في هذا البلد لأسباب عديدة منها نقل المعركة الأمريكية إلى داخل العراق واعتماد العراق بعدا اقتصاديا وعسكريا للدخول إلى المنطقة العربية وخاصة الخليجية .
إن وجود إيران مقلق وخطير على مستقبل العراق لان هناك تحالف ( إيراني ـ إسرائيلي ) بتنفيذ أمريكي لتفتيت الدول العربية وإعلان الشرق الأوسط الكبير ولكن كلا بالصورة التي يراها مناسبة له . وعليهِ إذا لم نفكر في إخراج المحتل الأمريكي بأقرب فرصة ممكنة فأن الوجود الإيراني وبحماية أمريكية سوف يقوى ويرجع طاق كسرى وتحكم إيران العراق وذلك لتواجد أعداد كبيرة منهم في العراق ودخول المئات يوميا في حين يحدث العكس في العراق فهناك المئات تخرج دون رجعة .

وعليه كلما يستمر البقاء الأمريكي كلما يتغير وجه المجتمع العراقي من عراقي عربي إلى إيراني ذو ملامح طائفية تعسفية تريد عزل العراق عن عمقه العربي الاستراتيجي . من جانب آخر ما أحدثته إيران من فساد اقتصادي وإداري ومالي في العراق هو عملية مبرمجة ومدروسة لجعله يعاني من هذه المشكلة حتى حين ينسحب المحتل الأمريكي، ناهيك عن تزوير المستندات الخاصة بالتجنس والجوازات وشراء العقارات؛ هذه جلها سوف تسبب إرباكا وعدم استقرار في العراق. كما أن هناك حقيقة لا يعرفها الكثيرون لان الإعلام حجب الحديث عنها وهي أنه بعد قرار الأمريكان بتعويم الدولار وتخلصه من قيد القيمة الذهبية قامت الولايات المتحدة الأمريكية عام 1972 بتوزيع ماكينة طباعة دولار لكل من كوريا وإيران وبريطانيا، فحين يتم طبع الورق الدولاري تقوم أمريكا بإسقاط قيمته من حسابات تلك الدول، أو ما تزوده للدول الأخرى . وعند قيام الانقلاب في إيران عام 1979 سيطر الانقلابيون على هذه المكائن ولم تستعمل إلا بعد إحتلال العراق . لذا حين نسمع بفساد إداري وغياب مليارات الدولارات العراقية هي في الحقيقة ناتجة عن إبدال ما يستلمه العراق من ميزانية من الولايات المتحدة الأمريكية وإبداله بالعملة المزورة من إيران والواقع أن العراق الآن غارق في العملة الأمريكية المزورة وتتم هذه العملية بإشراف باقر صولاغ ومدير البنك المركزي، وكان قبله يتبنى هذه العملية عادل عبد المهدي. إن السؤال الذي كان يجب أن يطرحه الكثيرون منذ فترة طويلةٍ لماذا إيران لم تتأثر بالواقع الاقتصادي العالمي المنهار وهي صاحبة الاقتصاد المنهار وغيرت قيمة عملتها ثلاث مرات منذ عام 1991م وحتى عام 2003م ؟ . إن السر أذن هو إبدال النقود المزورة المطبوعة إيرانياً بما تتسلمه خزينة البنك المركزي البالغة بالدولارت ، ناهيك عن سرقات النفط الممنوحة من قبل الشهرستاني تحت عنوان آبار مشتركة في مجنون والطيب .

من خلال ما تقدم يمكن أن نصل إلى خطورة الموقف في العراق إذا ما استمرت إيران في نفوذها في العراق وهي ماضية لتنفيذ الأجندة الأمريكية بتقسيم العراق مثلما تراها مناسبة لسياستها المستقبلية تحت غطاء الدين والشرعية المذهبية ، فالحذر كل الحذر من موقف إيران في العراق وتساومها مع الولايات المتحدة الأمريكية عليه لإنهاء مشاكلها مع العالم الغربي. وموضوع ارتباط الحكومة الحاكمة في العراق بإيران عبر عنه أوباما في حملته الانتخابية عندما قال في مقاطعة ايوا " إننا سننسحب من العراق ومَنْ يقول كيف إلا نخاف على العراق من إيران نقول له إذا كنا نخاف على العراق من إيران كيف عينا حكومة إيرانية في بغداد" وهو يقصد بذلك حكومة الإحتلال الرابعة التي يقودها المالكي. من هنا يمكن أن نقول أن مستقبل العراق مرهون بأبنائه وعليهم الدفاع عنه من الإحتلال الأمريكي والنفوذ الإيراني الذي يحاول تغيير الصورة الاجتماعية والعرقية والمذهبية للعراق" .
نسبة البطالة تجاوزت 50 % و7 ملايين تحت خط الفقر

لم تستطع كل محاولات تجميل الواقع العراقي لما بعد الإحتلال، إخفاء واقع آفات البطالة والفقر والجريمة التي تفتك بالنسيج الاجتماعي في بلاد الرافدين، في غياب ضامن الدولة القوية بحكم القانون الذي يكفل توجيه حياة العراقي بشكل إنساني قدر المستطاع.
وتكشف آخر الإحصاءات والتي نشرت بتاريخ 5/12/2009عن أن نسبة البطالة في العراق بلغت نحو 50 في المائة، وأن معظم ضحاياها هم من شريحة الشباب، كما تجاوزت نسبة الفقراء 60 في المائة من أبناء الشعب العراقي.
وبعد غزو العراق في 2003، تفاقمت مشكلة البطالة لتصبح ظاهرة خطرة تهدد المجتمع العراقي في معظم شرائحه العمرية والطبقية والمهنية، حيث طالت البطالة ليس فقط الفئات ذات التعليم المحدود وإنما شريحة واسعة شملت خريجي الجامعات والدراسات العليا.
وتشير بيانات رسمية عراقية إلى أن البطالة أصبحت مشكلة خطرة، بسبب ارتفاع نسبتها إلى نحو 28.1 في المائة من إجمالي القوى العاملة، وان غالبية العاطلين هم من فئة الشباب، حيث ينتمي 21.3 في المائة من العاطلين إلى الفئة العمرية 15- 19 سنة. وان 27 في المائة من العاطلين ينتمون إلى الفئة العمرية 20- 24 سنة .

أعداد الفقراء
أما أعداد الفقراء في عراق الخيرات فهي أرقام مخيفة وبحسب دراسة قام بها الجهاز المركزي للإحصاء بالتعاون مع منظمات دولية فان نسبة الفقر في العراق تبلغ نحو 23 بالمائة.
الدراسة التي خرجت أشارت إلى وجود تحديات قد تجابه تطبيق تلك الإستراتيجية ومنها ضمان الأمن والاستقرار وضمان الحكم الرشيد من خلال إرساء دولة المؤسسات وضمان عدالة التوزيع وتنوع مصادر النمو، فضلا عن التخفيف من الآثار السلبية للإصلاح الاقتصادي على الفقراء.
وبحسب القائمين على إعداد الإستراتيجية، فإنها ستقلل من نسب الفقر خلال الخمس سنوات المقبلة لتصل إلى 16 بالمائة في عام 2014، وهو ما أكده رئيس اللجنة العليا لسياسات التخفيف من الفقر الدكتور مهدي العلاق الذي استبعد إنهاء حالات الفقر من العراق .

وبالمقابل رواتب خيالية لقادة العراق الجديد
وبمقابل هذه الملايين من الفقراء نجد أن ساسة العراق يلعبون بالملايين من الدولارات، وبحسب المعلومات التي حصلت عليها مجلة (لفين) الكردية فان المخصصات والراتب الشهري لمسعود البارزاني رئيس حكومة الإقليم هي(400) ألف دولار شهريا ،
ويعادل هذا المبلغ راتب ومخصصات باراك اوباما رئيس الولايات الأمريكية المتحدة لسنة كاملة ، لان راتب اوباما هو (33333) دولار فقط ويساوي (400) ألف دولار سنويا . ميزانية الإقليم لا تتجاوز 8 مليار دولار سنويا في المقابل إن الميزانية السنوية لأمريكا هي (14.264) تريليون دولار. ومسعود البارزاني هو رئيس للإقليم يتكون من 3 محافظات و سكانها 5مليون نسمة ، أما اوباما فإنه رئيس لـ 50 ولاية و يبلغ عدد سكانها قرابة ( 307) مليون نسمة .
أما راتب و مخصصات رئيس جمهورية العراق (جلال الطالباني) هو (12)مليون دولار سنويا أي مليون دولار شهريا ، و راتب كلاهما (الطالباني و البارزاني ) يعتبر من أعلى الرواتب بين رؤوساء العالم.

مع أن راتب رئيس حكومة الإقليم أقل من راتب رئيس جمهورية العراق إلا أنه يعتبر أيضا أكثر من راتب بعض رؤوساء العالم ، لأن راتب و مخصصات ساراكوزي ( رئيس فرنسا ) يبلغ ( 265000) دولار شهريا و راتب ميركل المستشارة الألمانية هو ( 25250) دولار، و راتب جوردن براون - رئيس وزراء انكلترا - هو ( 23250) دولار، و راتب عبد الله جول الرئيس التركي هو ( 123000)دولار و رئيس وزراء اليابان راتبه (1650)دولار.بهذا التقدير يأتي البارزاني في المرتبة الثالثة في أعلى الرواتب بين رؤوساء العالم بعد الطالباني و رئيس هونج كونج الذي يستلم شهريا ( 430000) دولار شهريا.
وللحديث عن مهزلة العراق في ظل الظلم والاستهتار الحكومي والأمريكي 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى