مؤتمر الحوار الإسلامي - المسيحي في العراق



عقد يوم 3/11/2008 في العاصمة المغتصبة بغداد مؤتمر غريب من نوعه تحت عنوان الحوار الإسلامي – المسيحي, حضره رئيس الحكومة الحالية نوري المالكي ورجال الدولة ممن يسمون رجال الدين في الوقفين السني والشيعي.

والتعايش بين الأديان السماوية في العراق كان وإلى فترة قريبة رمزاً وعنواناً وانعكاساً للتسامح والمحبة بين أبناء الشعب العراقي؛ وقبل أيام فوجئ العراقيون بمختلف طوائفهم بحملة مفاجئة شرسة استهدفت أبناء الطائفة المسيحية في شمال العراق وبالتحديد في مدينة الموصل الحدباء حيث قتل قرابة 20 مسيحياً وهجر الآلاف منهم إلى بغداد وغيرها من المحافظات وبعضهم اضطر للهروب إلى خارج البلد وكالعادة بدأت الاتهامات توجه ضد "المتطرفين الإسلاميين", وأنهم يقفون وراء هذه العمليات المنظمة والمدروسة.
ومن باب الإنصاف, نقول إن المقاومة العراقية الإسلامية هي ليست وليدة الساعة, أو وليدة ساعة الحدث, بل هي موجودة منذ الأيام الأولى للاحتلال, ولم تسجل حادثة واحدة ضد أي فصيل من فصائل المقاومة العراقية, بخصوص قتل أو تهديد أو تهجير عائلة مسيحية من أي مدينة عراقية, بما فيها الموصل.
والمعروف أن مدينة الموصل هي من المدن المتنازع عليها, بين ما يسمى حكومة إقليم كردستان والحكومة الحالية, حيث تطالب حكومة الإقليم بضم مناطق محددة من الموصل إلى الإقليم, ويوجد ضمن هذه المناطق, مناطق يسكنها أبناء الطائفة المسيحية, ومنها مناطق برطلة قرقوش تلكيف بالإضافة إلى تل أسقف.
والمنطق السليم هو الذي جعل العديد من القوى الوطنية العراقية تتهم ـ وبلا تردد ـ الساسة الأكراد بالوقوف وراء هذه العمليات المنظمة, حيث إن القيادات الكردية وقوات البيشمركة الكردية متغلغلة وبقوة في مدينة الموصل, وبمسميات مختلفة, وتنفذ أجندات لا تخدم الوحدة العراقية, وهذه القوات لها سوابق خطيرة في ملف الاعتداءات على أهالي الموصل, ومنها حادثة الزنجيلي, التي أودت بحياة العشرات من الأبرياء من أبناء هذا الحي الفقير مدنياً حيث أسفرت عن مقتل 45 وجرح 254 شخصاً واختفاء 100 منزل, وما ذلك إلا لإشعال الفتنة الطائفية بين أبناء مدينة الموصل. وتهدف هذه الأفعال بالنتيجة إلى تحريك الرغبة لدى الأقليات في المدينة ومنهم الأقليات المسيحية واليزيدية للنزوح إلى مدن الإقليم, ومنها مناطق برطلة قرقوش تلكيف وتل أسقف وهي مناطق مسيحية بحتة, وتعتبر هادئة قياساً بمدن العراق الأخرى.
وهذا الكلام ليس كلام القوى الرافضة للاحتلال فقط, بل كلام رجال العملية السياسية الحالية في البلاد, حيث صرح أسامة النجيفي عضو البرلمان العراقي عن القائمة العراقية الوطنية, بتاريخ 26 أكتوبر 2008, أن المالكي أطلعه على وثائق وأدلة تدين البيشمركة (قوات كردية) كونها هي التي تقف وراء تهجير المسيحيين في الموصل, لكن الأكراد سارعوا إلى تكذيب النجيفي, وطالبوا برفع الحصانة عنه لمقاضاته.
إن نسبة المسيحيين التي تبلغ 3% من تعداد العراق الذي يقارب 27 مليون نسمة هي نسبة مهمة ولا يمكن التقليل من شأنها, والشعب العراقي متمسك بهذه الطائفة - وإن قلت - لأنهم جزء من النسيج الاجتماعي في العراق, وهناك حالات زواج لمسلمين من نساء مسيحيات, هذا بالإضافة إلى التمازج الاجتماعي بين الديانتين.
إننا لسنا بحاجة لمؤتمرات من هذا النوع, أهدافها أهداف إعلامية بحتة, بل نحن بحاجة لأن يترك الساسة ـ الذين يدعون أنهم يعملون لمصلحة الشعب العراقي ـ العراقيين بعيداً عن أجنداتهم السياسية القذرة التي تهدف ـ فيما تهدف إليه ـ إلى زرع الفتنة بين أبناء الشعب الواحد ؛ سنة وشيعة عرباً وأكراداً مسلمين ومسيحيين؛ وأن رحيل الاحتلال والذين جاءوا معه من الغرباء, الذين يحملون الجنسية العراقية, هو الحل الوحيد والأمثل للقضاء على هذه الفتن.
وصدق من قال: (يقتلون القتيل ويمشون في جنازته)؛ فهؤلاء ـ وأقصد الاحتلال والساسة الذين نصبهم ـ هم سبب الفتن, وهم الذين دمروا العراق وخربوا نسيجه الاجتماعي وبنيته التحتية, واليوم يتحدثون عن حوار بين الدين الإسلامي والمسيحي, ولا أظن أن المواطنين من الديانتين الإسلامية والمسيحية سينصتون إلى مثل هذه الأكاذيب والحيل السياسية, لأنهم فهموا وعرفوا حقيقة اللعبة, والشعب العراقي الذي أجهض فتنة الحرب الأهلية التي حاول الأشرار إشعالها بين المسلمين شيعة وسنة, سيجهض محاولات الأشرار, لإشعال الفتنة بين المسلمين والمسيحيين.
وحتى نثبت حقيقة ما نقول, من أن الخلافات هي خلافات بين السياسيين وليست بين العراقيين بمختلف طوائفهم, فقد سعت العديد من الهيئات والجمعيات الإسلامية وبسرعة كبيرة إلى مد يد العون إلى المهجرين من الطائفة المسيحية, ومنها هيئة علماء المسلمين في العراق وغيرها, التي قدمت المعونات إلى أبناء الطائفة المسيحية في الموصل, ورأينا كيف أن المهجرين من المسيحيين, وجدوا بيوت العراقيين في بغداد من المسلمين وغيرهم, ملاذاً آمناً لهم, ووجدوا القلب العراقي مفتوحاً لهم قبل البيوت, وهذه هي حقيقة الشعب العراقي الذي عرف بأصالته وتماسكه وتسامحه.
رسالة الاسلام/   11/25/2008
*كاتب عراقي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العراقيّون وكِذْبَات نيسان والتناحر المُرتقب!

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!