السيادة في العراق



السيادة تعني حرية القرار، وعدم الارتباط بهذا القطب الدولي، أو ذاك، بحيث يكون للقادة الفضاء الواسع للتفكير بمصلحة البلاد، وصولا لاتخاذ القرارات النافعة الأصيلة البعيدة عن الضغوطات المختلفة الداخلية والخارجية.
وبغض النظر عن الموقف من الحكومات التي تعاقبت على حكم بغداد بعد مرحلة عام 2003، فإننا كعراقيين نتمنى، ونأمل أن يكون لبلادنا السيادة الكاملة، ولهذا ما زلنا ننادي بضرورة اتمام تحرير الوطن من الاحتلال الأمريكي، والتغلغل الإيراني؛ لأننا مؤمنون أن سيادة العراق هي مطلب حق لنا، ولا يمكن أن نفاخر ببلادنا بين شعوب الأرض، إلا بعد أن تكون حرة قوية ومنتمية لقضايا الأمة، ويرى فيها العرب عمقهم الاستراتيجي، وملاذهم الآمن، وهذه الأمنيات والتطلعات – مع الأسف الشديد- بعيدة عن الواقع الحالي في البلاد.
قد يستغرب البعض هذا الكلام، ويقولوا ألم تنسحب القوات الأمريكية من مدينة الرشيد؟! والجواب بسيط جداً، ولا يحتاج لمحللين سياسيين، أو مفكرين على درجة عالية من الذكاء والدهاء.
وللإجابة على هذا التساؤل، سأحاول هنا أن أتناسى وجود قوات في قواعد مختلفة في البلاد، وإنما سأتكلم عن السيادة التي تتحدث عنها الحكومة الحالية في العراق، وسأذكر موقفاً بسيطاً، ففي يوم 17/7/2012، أعلنت وزارة الخارجية العراقية انها تسلمت رسالة من الولايات المتحدة الأمريكية تتضمن موافقتها على تمديد الحماية والحصانة فوق العادة على أموال العراق المودعة في صندوق تنمية العراق لمدة عام آخر، وأن القائم بأعمال سفارة الولايات المتحدة في العراق (روبرت بيكروفت) سلّم وزير الخارجية (هوشيار زيباري) رسالة تتضمن موافقة واشنطن على تمديد الحماية والحصانات فوق العادة للأموال العراقية في صندوق تنمية العراق حتى شهر مايو/أيار العام القادم 2013.

والغريب أن الخبر قد مر مرور الكرام وكأنه أمر طبيعي جداً، ولا يعني شيئاً، بل إن الخارجية العراقية تحدثت عن الأمر في بيانها، بكل أريحية، وكانت تنقله لوكالات الأنباء بفخر، وربما عدته “انتصاراً يضاف للانتصارات التي حققتها الديمقراطية في العراق الجديد، والدبلوماسية التي تقود البلاد إلى الانعزال عن العالمين العربي والإسلامي”!

وسبق للرئيس الأمريكي باراك اوباما أن وقع في 8/5/2012 أمراً تنفيذياً بحالة الطوارئ الوطنية فيما يتعلق باستقرار العراق لمدة سنة أخرى، وبموجبه سوف تظل أموال العراق محمية بقدر ما توفره القوانين الأمريكية الاعتيادية للحصانات السياسية من حماية!

ومن ضمن “السيادة العراقية” التي نسمع نغمتها في كل صباح ومساء، نقلت صحيفة (وول ستريت جورنال) الأميركية في الخامس من حزيران 2012، عن مصادر أميركية مطلعة قولها: “ إن وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) أبدت استعداداتها لتخفيض وجودها في العراق إلى أقل من نصف مستوى وجودها خلال زمن الحرب، في خطوة قد تكون ناجمة عن التحديات التي تواجهها الوكالة في عملياتها هناك، وأنها بدأت بالفعل تقليص عدد موظفيها إلى (40) في المائة من مجمل عددهم خلال زمن الحرب، الذي كان يبلغ (700) موظفاً، عندما كانت بغداد تمثل أكبر محطة للوكالة في العالم”.


هذه هي السيادة التي يتنعم بها العراق اليوم، أموال تتحكم بها الإدارة الأمريكية، وموظفون بالمئات في مهام لا أحد يعرف حقيقتها، بالإضافة لأكبر سفارة أمريكية في العالم تقع في داخل المنطقة الخضراء وسط بغداد، حيث يبلغ مجموع الموظفين الأمريكيين من دبلوماسيين ومرتزقة فيها أكثر من (16) ألف شخص، في حين تقف الحكومة موقف المتفرج العاجز عن فعل أي شيء، وليس لها أي دور، ولو بكلمة اعتراضية على تلك المهام المريبة السرية. وبالتالي، يطل علينا الإعلام الرسمي، متحدثاً عن السيادة في بلاد الرافدين! فيما يقف العراقيون موقف المتعجب من هذه التناقضات، ولم يعودوا يفهموا، كيف، وأين هي هذه السيادة؟!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى