إيران والعراق تربص وترقب




المعروف ـ بالمنطق السليم ـ أن الدول التي تملك مخططا ضد دول أخرى،تعمل بصمت وخفاء لتحقيق هذه الأهداف غير المشروعة أو غير المقبولة على المستوى الدولي والدبلوماسي ؛لأنها اعتداء على سيادة دولة أخرى ،
إلا أن الساسة في إيران ومنذ عام 2003م يحاولون أن يبتعدوا ويتجاوزوا عن كل أصول السياسة الدولية، وعن كل البروتوكولات المعروفة في السياسة بين دول الجوار في تعاملهم مع الشأن العراقي.
فإيران رغم وضوح تدخلها في الشأن العراقي ،إلا أن كبار الساسة فيها لا يخفون أطماع "الجمهورية الإسلامية الإيرانية" في جارتهم العراق، وتصريحات الرئيس الإيراني احمدي نجاد في زيارته لتركيا بضرورة أن تملأ إيران الفراغ الذي سيخلفه الانسحاب الأمريكي من العراق ، واضحة كل الوضوح ،حيث قال بالحرف الواحد إن "على إيران والدول المجاورة للعراق ملء الفراغ في حال خروج القوات الأميركية من هذا البلد"،وهذا التصريح اكبر دليل على تلك الأطماع التي أشرت إليها.
هذا الكلام غير الدبلوماسي غريب ومرفوض من عدة جوانب ؛حيث إن الرئيس الإيراني لم يـُقم وزناً لأي مكون من مكونات الشعب العراقي الشيعية أو السنية أو الكردية؛ إلا اللهم إذا كان يعتبر الحكومة الموجودة ـ حالياً ـ في العراق،وكأنها امتداد للدولة "الإسلامية الإيرانية"؛فهنا يكون الأمر مختلفاً ؛ لأنه يريد أن يقول للساسة الذين جاؤوا مع الاحتلال "إننا آويناكم واحتضناكم أيام ما يسمى (المعارضة العراقية)،ونحن اليوم نريد منكم رد الجميل ـ إن كان هذا يعد جميلاً ـ "؛ثم إذا كانت إيران تريد أن تعتبر العراق ساحة لتصفية حساباتها مع الجانب الأمريكي ـ تحت لافتات كثيرة ـ فهذا الأمر غير مقبول أيضاً، لأنها مارست دوراً سيئاً في نصرة الشعب العراقي ،حيث عملت على تأجيج الطائفية المقيتة واغتالت المئات من الشخصيات الأكاديمية والعسكرية العراقية وغيرها من الانتهاكات المعروفة للقاصي والداني.  
إن الدور الإيراني في الساحة العراقية واضح تمام الوضوح،وليس بحاجة إلى تصريح من الرئيس الإيراني وغيره من الساسة الإيرانيين ،لأن الميدان العراقي ـ وخصوصا في الجنوب ـ يشهد بالتغلغل الإيراني الواسع عبر عملاء إيران المتغلغلين في الجمعيات الإنسانية ومنظمات المجتمع المدني التي تقدم المساعدات العينية والمادية للشعب العراقي ،وهي في حقيقتها تابعة للمخابرات الإيرانية "الاطلاعات" ولها أجندات خطيرة في العراق.
هذا بالإضافة إلى دور إيران الواضح في نشر المخدرات في البلاد بعد الاحتلال الأمريكي وسرقة العديد من آبار النفط الواقعة في المناطق الحدودية بين البلدين،وغيرها من الانتهاكات المستمرة والمدروسة،والتي تهدف إلى إيقاع الأذى على الشعب العراقي ومستقبل أبنائه.
ولا ندري هل الدماء والتضحيات التي بذلت على ارض العراق منذ احتلاله عام 2003 وإلى اليوم ، والتي كان من نتائجها إرهاق قوات الاحتلال الأمريكية، والتي تبحث اليوم عن مخرج لها من العراق باتفاقية أمنية أو غيرها ،هل هذه التضحيات هي من اجل إفساح المجال لإيران لـ"احتلال" العراق بدلا عن الاحتلال الأمريكي؛ ولا اعتقد أن عاقلا سيقبل بهذا المنطق الغريب .
إن الحكومة الإيرانية التي تحاول ـ وبحجج مختلفة ـ إظهار اهتمامها بقضايا العراق وغيره ،عليها أن تتراجع عن مثل هذه التصريحات الاستفزازية غير اللائقة، وليكن في حساباتها أن المقاومة التي أرهقت وهزمت اعتى قوة في العالم قادرة ـ وبلا تكلف وبلا غرور ـ على سحق الوجود الإيراني في العراق ،وتحت أي مسمى كان، بعد رحيل الاحتلال الأمريكي من البلاد.
إن الحقد الإيراني على العراق مستمر منذ قيام "الثورة الإسلامية" عام 1979 والى اليوم ،فإذا كانت إيران تحتج في الماضي بوجود حكومة حزب البعث وضرورة القضاء عليها؛ فان المشهد العراقي اليوم هو مشهد مختلف عن مشهد الأمس ؛فالحكومة العراقية ،هي حكومة ترعرعت في ربوع إيران ،والكثير من القوى الداخلة في العملية السياسية ـ اليوم ـ تنفذ الأجندات الإيرانية في العراق بالحرف الواحد ،فلماذا استهداف العراق إذن ؟ طالما أن ما تريده إيران ينفذ بشكل أو بآخر ؟!
ولا اعتقد أن السؤال بحاجة إلى مزيد من ذكاء للإجابة؛ فالأطماع الإيرانية في العراق، هي محاولة للسيطرة على الخليج ودول المنطقة؛ وذلك لأهمية الموقع الإستراتيجي للعراق، وبالتالي عودة الشرطي الإيراني المسلط على دول المنطقة.
انه ومن الأهمية بمكان التذكير بان التعويل على مسألة "التأييد" لإيران من قبل شيعة العراق حلم ينبغي أن تستفيق منه الحكومة الإيرانية ؛لان شيعة العراق لا يرضون لأنفسهم إلا البقاء في أحضان العراق الواحد المحرر من براثن الاحتلال الأمريكي ومن التغلغل الإيراني الواضح ، وعليه فان هذه الورقة لا يمكن أن تحقق أي هدف لإيران.
 وارى أن من مصلحة إيران أن تبتعد عن هذه الأطماع ، وان تحترم حقوق البلد الجار المسلم العراق؛وصدق سيدنا الفاروق حينما قال: يا ليت بيننا وبين فارس جبلاً من نار.

9/6/2008

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العراقيّون وكِذْبَات نيسان والتناحر المُرتقب!

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!