معتقلون في صالات القمار!


من أهم وسائل استمرار الحياة الإنسانية الحرة الكريمة، توافر الحكومات العادلة، والقضاء الذي يعد الركن الذي يلجأ إليه المظلوم لإنصافه من الظالمين والمُتَجَبّرين وطغاة المال والسلطة.
والقضاء، على الرغم من كونه يسعى إلى تحقيق العدالة، فإنه أحياناً يكون سبيلاً للظلم؛ إما بخطأ غير مقصود، أو لوقوعه تحت سطوة السلطة، أو لانحراف في السلوك المهني القضائي. والتاريخ البشري مليء بالمحاكمات غير العادلة، في مختلف بقاع الأرض. ونذكر على سبيل المثال محاكمتين في الولايات المتحدة حكم أصحابهما بأحكام قضائية ظالمة؛ الأولى، تعرف باسم "ساكو وفانزيتي"، وهما إيطاليان تمت إدانتهما في العام 1921 بقتل شخصين بناء على أدلة واهية، وتم إعدامهما. ولم تتم تبرئتهما إلا في العام 1977. ويعتقد المحللون أن الإدانة كانت بسبب أصولهما الإيطالية. أما المحاكمة الثانية، فكانت في قضية "فتيان سكوتسبورو"، وهم "تسعة مراهقين من السود تم اتهامهم باغتصاب امرأتين من البِيض في العام 1931. وعلى الرغم من اعتراف واحدة من المرأتين بأنها لفقت قصة الاغتصاب، فقد تمت إدانة خمسة من المراهقين بالاغتصاب.
والظلم القضائي وقع في العراق بنسب ليست قليلة، بسبب تسلط بعض الأجهزة الأمنية، وتهاون القضاء أو ربما تواطؤه في تمرير اتهام الأجهزة الأمنية، أو وقوعه في هاوية التهديد أو مستنقع الفائدة الشخصية، ولو على حساب حرية المواطنين وكرامتهم وحياتهم.
والإحصاءات تُظهر أن الاعتقال في العراق وصل مستويات لا يمكن السكوت عنها. وبحسب موقع "نقاش"، تشير إحصاءات رسمية عراقية إلى أن "آلاف الأبرياء يتم اعتقالهم شهريا ويقضون أياماً وشهوراً في السجون قبل إطلاق سراحهم. وخلال الـ22 شهراً الماضية، أُطلق سراح 156 ألف شخص، أي بمعدل 236 عملية إفراج يوميا، و7080 شهرياً".
ويشير بحث الموقع الاستقصائي إلى أن "وزارات الدفاع والداخلية والعدل، وجهاز المخابرات، لا تعلن عن عمليات الاعتقال التي تنفذها دوائرها الأمنية. لكن الموقع الإلكتروني الرسمي للسلطة القضائية العليا هو الوحيد الذي ينشر إحصاءات عن عدد المعتقلين الذين أطلق سراحهم بعدما تبين أنهم أبرياء من التهم الموجهة إليهم".
هذه الإحصاءات الخطرة تؤكد حقيقة طالما رددها الوطنيون، وهي أن هناك في السجون الحكومية مئات الآلاف من الأبرياء، فيما تحاول حكومة بغداد باستمرار التقليل من شأن هذه التوقعات، وتدعي أنها مجرد دعايات لتشويه صورتها.
وهنا أورد قصة ذكرها أحد المسؤولين السُنة في داخل العملية السياسية، نقل فيها كلاماً لمسؤول من التحالف الوطني الحاكم أكد له فيه أنهم "يحتجزون هذه الأعداد الكبيرة في المعتقلات رغم علمهم ببراءتهم، وذلك للتفاوض مع زعماء السنة بخصوص إنهاء ملفاتهم في المستقبل الذي لا نريد أن نخسر فيه –التحالف الوطني الشيعي- ما حصلنا عليه من مكاسب سياسية لم نكن نحلم بها"!
اللعب بورقة المعتقلين الأبرياء للضغط على بقية الكتل السياسية، يؤكد أن أوهام أو أحقاد غالبية الأطراف الحاكمة تدفعها إلى انتهاك أبسط القيم الإنسانية وتغييب الضمير البشري من أجل تحقيق أهداف مرحلية. وهذا التفكير السلبي هو أسلوب الضعفاء الذين لا يثقون بأنفسهم ولا بحواضنهم الجماهيرية، والموقنون أنهم سائرون إلى الفشل في المستقبل القريب.
ورغم ضخامة أعداد المحتجزين الأبرياء، فإن هذا الأسلوب لن يقود إلى إضعاف الطرف المقابل، بل سيدفعه لمزيد من الإصرار. وهكذا يكون التحالف الوطني الحاكم يذكي نار الطائفية، وربما يقود إلى إشعال البلاد وأهلها من أجل البقاء أطول مدة ممكنة في الحكم، حتى لو حكم أطلال البلاد وقتل الأبرياء.
تفشّي ظاهرة الاعتقالات العشوائية من دون الاستناد إلى أدلة صحيحة وغير مفبركة، لا يمكن أن يقود إلى تحقيق السلام المنشود لبلدنا، وإنما على النقيض من ذلك؛ إذ ستكون هذه الاعتقالات مصدراً مهماً لتغذية حالة الشعور بالمظلومية التي لا تتوقف عند ذات الأشخاص المعتقلين –وهم مئات الآلاف- وإنما تتعداهم إلى عوائلهم وذويهم. وبالمحصلة، سنكون أمام ملايين المواطنين الذين يشعرون بالظلم والحيف، والنقمة على حكام البلاد الذين يقامرون بهم رغم أنهم أبرياء!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى