سيادة العراق في الميزان

يعرّف فقهاء القانون "السيادة" بأنّها "السلطة العليا على المواطنين والرعايا، واستقلال الدولة عن أيّ سلطة أجنبيّة".

وهي نوعان داخليّة وخارجيّة.. والداخليّة تعني سيطرة الدولة على كلّ منْ يكون على ترابها الوطنيّ من المواطنين والأجانب، أما الخارجيّة، فيقصد بها استقلال الدولة وتحرّرها في قراراتها من أيّ تدخّل خارجيّ.

وبالعودة إلى تعريف السيادة، نجد أنّ الواقع العراقيّ – ونقولها بمرارة - بعيد كلّ البعد عن السيادتين الداخليّة والخارجيّة!

فالحكومة التي يفترض أنّها تُطبق الجانب العمليّ من أركان الدولة لا تمتلك سلطة عليا على جميع الرعايا في الداخل، وهنالك العديد من القوى غير المنضبطة تسرح وتمرح، وتهدّد وتندّد، والحكومة تتفرّج!

ويوم الأربعاء الماضي، أكدت تقارير صحفيّة أنّ "مليشيات (الحشد) في محافظات نينوى وصلاح الدين والأنبار تضيق الخناق على الحريّات الشخصيّة، وتعتدي بالضرب والإهانات على المواطنين، وتبتزّهم ماليّاً"!

أما السيادة الخارجيّة والتحرر من السلطات الأجنبيّة، فهذه قصتها معروفة لكلّ العراقيين، وتبعيّة القرار العراقيّ لواشنطن وطهران حقيقة لا يمكن لحكومة بغداد نكرانها. واليوم، التدخّل الأمريكيّ والإيرانيّ على قدم وساق، بل وصل الأمر إلى أنّ الرئيس الأمريكيّ دخل العراق، نهاية العام الماضي، وزار جنود بلاده في قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار دون علم حكومة بغداد، ثم قالت الحكومة إنّها على علم بالزيارة، وبعد يومين أكدت المتحدّثة بإسم البيت الأبيض أنّهم لم يُعْلموا بغداد بالزيارة حفاظاً على أمن الرئيس!

وهذا يؤكد أنّ الإدارة الأمريكيّة لا يهمّها حتى المجاملة الدبلوماسيّة، وكان يمكنهم على الأقل الصمت، أو مجاملة حكومة المهدي، وهذا يشير بوضوح إلى الاستخفاف الأمريكيّ بالمنظومة الحاكمة في العراق!

الكلام عن السيادة يقودنا للحديث عن التحرّكات الكبيرة للقوات الأمريكيّة في العديد من مدن العراق، وهذه المعلومات نُقلت بكثافة عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ، وبشهادة العديد من أبناء مدن الأنبار وصلاح الدين وغيرهما، بينما لم يصدر أيّ تأكيد، أو نفي، أو تكذيب من جانب حكومة بغداد وكأن الأمر لا يعنيها، ولا حتى من السفارة الأمريكيّة ببغداد!

التحرّكات العسكريّة أعقبت زيارة الرئيس ترامب إلى العراق، وكذلك بعد تعيين سفير واشنطن السابق في بغداد (جيمس جيفري) مبعوثاً جديداً للتحالف الدوليّ!

الحشود الأمريكيّة الجديدة حاولت حكومة بغداد إنكارها، إلا أنّ مجلس محافظة الأنبار أكد قبل أيّام أنّ "القوات الأمريكيّة لم تسمح للقوات العراقيّة بالدخول، أو التواجد في القواعد التابعة لها في الأنبار مهما كانت الأسباب"! وهذا يتناقض مع تصريحات رئيس الوزراء عادل عبد المهدي بهذا الخصوص!

وفي يوم الجمعة الماضي، تناقلت وسائل الإعلام صوراً للجنرال الأمريكيّ أوستن رينفورث وعشرات الجنود الأمريكان وهم  يتجوّلون في شوارع بغداد!

النزهة العسكريّة الأمريكيّة في شوارع بغداد جاءت بعد أن جمع أكثر من 150 نائباً عراقيّاً تواقيعهم للدعوة لإخراج القوات الأمريكيّة من البلاد!

وهذا يشير إلى استخفاف الأمريكان حتى بالمنظومة التشريعيّة التي تمثل الشعب، ويمثل تطوراً كبيراً يفترض أن لا تتجاهله القوى المحبّة للعراق!

ومن أوضح تداعيات هذه التحرّكات الميدانيّة؛ أنّ طهران أصدرت أوامرها لمستشاريها لمغادرة العراق!

وفي الساحة السياسية، بدأت تداعيات تلك التحرّكات عبر تبادل الاتهامات حول منْ جاء بالأمريكيين للعراق، وبرزت بشكل كبير بين أقْطاب حزب الدعوة، وبالذات بين نوري المالكي وحيدر العبادي!

ومن التداعيات الخطيرة (كما أبلغني احد الإعلاميين)، أنّ الكثير من قادة الحشد الشعبيّ غادروا العراق، وأغلقوا هواتفهم النقّالة!

فهل هذه التطورات مقدّمة لحدث كبير وقريب تنتظره الساحة العراقيّة، أو تمهيدا لخطة أمريكيّة لقلب الطاولة على حكّام بغداد، وانطلاقا لاستراتيجيّة جديدة في العراق والمنطقة؟ أو أنّ واشنطن تهدف لتجفيف منابع الدعم الماديّ والعسكريّ لإيران وأذرعها في العراق؛ لأن منْ يريد ضرب إيران عليه أن يحجِّم، أو يضرب أجنحتها في العراق، وارتدادات هذه الضربة لن تتوقف إلا في طهران؟

على واشنطن التي دمّرت العراق أن تساعد العراقيين لرسم خارطة بلادهم لتكون خالية من القتلة والمجرمين والمليشيات، ويبنوا أجهزة أمنيّة وقضائيّة بعيداً عن القوى الطائفيّة والإجراميّة، ويشيّدوا دولة المواطنة لينعم الجميع في ظلالها بالسلام والأمان!

فهل ستدعمهم، أم أنّ العراق ودول المنطقة سائرون (رغماً عنهم) باتجاه مشروع تدمّيريّ جديد؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى