لمنْ تُرك العراق


18 /09 /2010

المشهد الظلامي المرسوم على الخارطة العراقية اليوم  يعكس حقيقة التشتت السياسي والإداري والأمني الذي تشهده البلاد، ولمعرفة هذه الحقيقة المأساوية في البلاد، والتأكد منها ما عليك سوى متابعة نشرات الأخبار التي تذاع عبر مئات القنوات الفضائية لتعرف حجم التدمير الذي طال أرواح الناس وممتلكاتهم وخرب البنى التحتية والفوقية لهذا البلد المبتلى.
 مشاهد الدم والاعتقالات لا تتوقف، ولا يوقفها لا الأشهر الحرم ولا غيرها، فالموت العراقي في كل المناسبات: في الأعياد، ومجالس العزاء، وفي صالات الاحتفال، وغيرها من الأماكن العامة، والخاصة، والمحصلة اليومية عشرات القتلى والجرحى.
وبعيداً عن الجهات التي تقف وراء هذه التفجيرات، حيث سبق وأن أثبتنا أن ما يجري في العراق هي تصفيات سياسية يراد منها الانتقام، والتشهير، والضغط، ولا شأن للمقاومة العراقية بهذه الدماء التي لا ناقة لها فيها ولا جمل؛ لان مشروع المقاومة العراقية هو الاحتلال، وأدوات مشروعه في العراق.
ويستمر شلال الدم العراقي، ويبقى السؤال المحير: لماذا هذا التجاهل لما يجري في العراق سواء من قبل أغلب دول المنطقة، أو دول الجامعة العربية، أو منظمة المؤتمر الإسلامي، بل وحتى من المجتمع الدولي، صحيح أن أغلب هذه الأطراف تصدر بيانات تندد فيها بالموت الجماعي في العراق، ولكن الأدق أن هذه الأطراف الإقليمية، والعربية، والإسلامية لا يتعدى صدى بياناتها الورقة التي كتبت عليها، حيث إن العراق اليوم محرقة أكلت - وتأكل - الأخضر واليابس، والموت يحصد أرواح الناس بينما يتفرج العالم على هذه المجازر، فمنْ المسؤول عن إراقة هذه الدماء؟ وما هو دور رجال المنطقة الخضراء؟ وما هو موقف، ودور الدول الكبرى تجاه الولايات المتحدة التي أدخلت العراق في هذا المستنقع المخيف الذي ربما سيجر العراق إلى ما لا تحمد عقباه.
الجامعة العربية كان دورها متميزا في عامي (2005) و(2006)، وحاولت جمع الأطياف العراقية، وبيان أن للشعب العراقي حقاًَ في مقاومة الاحتلال، وكانت ورقة المصالحة الوطنية مهمة من حيث التفاصيل والمحتوى، إلا أن المخيب للآمال أن هذه الجهود صارت ضمن أرشيف الجامعة، ولم تر النور، وبعد ذلك جرى تمييع موقف الجامعة، واليوم نسمع، وللأسف الشديد، بدعوات لعقد القمة العربية القادمة في العراق المحتل، وكأن العراق بلد مستقل ومستقر، ومعلوم للجميع أن الجامعة تمثل أقطار الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، ولا تمثل رأي السيد عمرو موسى، الذي قال يوم 14/9/2010، عقب اختتام الجلسة الأولى لاجتماع الدورة (134) لمجلس الجامعة العربية إن" القادة العرب سيحضرون إلى بغداد للمشاركة في القمة المزمع انعقادها في آذار 2011"، ولا ندري هل هذا من باب المجاملة لرجال العملية السياسية الذين جاؤوا مع المحتل؟ أم هو من باب القبول بواقع الحال، ووضع الرأس في الرمال، وعدم قراءة المشهد بصورة جيدة؟.
بالنسبة للمؤتمر الإسلامي، والذي يمثل أكثر من مليار وربع مليار مسلم في أرجاء المعمورة هو الآخر لم يقدم شيئا للعراقيين، وكان دوره هامشيا في المساهمة في الضغط على أمريكا وغيرها من أجل إعادة السيادة التامة للعراقيين، وليس لرجال المنطقة الخضراء، وكأن الشعب الذي يقتل في بلاد النهرين لا يمت لهم بصلة الدين والمبدأ الواحد، وهذا الكلام يشمل أيضا الدول الكبرى التي لم تقف موقفاً متميزا من موضوعة احتلال العراق والغزو الأمريكي الغاشم لبلادنا، وهذه الدول ستسجل مواقفها في سجل الدول المتعاونة مع المحتل، ولا أعتقد أن هذه المواقف ستمحى من الذاكرة العراقية على الرغم من دخان القنابل، والصواريخ، والسيارات المفخخة؛ لان الشعب العراقي شعب نبيه ويعرف منْ الذي معه، ومنِْ الذي عليه.
وتبقى غصة في النفس على أخواننا العرب والمسلمين، ويبقى السؤال المحير لماذا تركتم العراق فريسة للقوى الإقليمية والدولية؟، وأين دوركم كقوى اقتصادية وبشرية في العالم، والعراق هو العمود الفقري لمنطقة الخليج العربي وما حولها، وما هذه الأحداث التي بدأت تظهر في بعض دول الخليج والمنطقة إلا بعد أن حاولت أمريكا - ومن معها - نحر العراق وتدميره، ولولا الصمود العراقي ومقاومته الكبيرة لهذه المشاريع، لرأينا كيف أن بعض دول المنطقة استغلت هذه الفرصة التاريخية لتحقيق مآربها الخاصة!!!
وهكذا يبقى الموقف العربي - في الغالب - لا يرتقي إلى المستوى المطلوب، وكأن القرار العربي هو قرار مسلوب الإرادة، وكأن أغلب الساسة العرب والمسلمين لا حول لهم ولا قوة، وعلى الرغم من كل هذه الضبابية فنحن مازلنا نأمل، وننتظر من إخوتنا العرب والمسلمين موقفا أقوى وأشد في سبيل مساعدة الشعب العراقي للخروج من محنته التي هي محنة كل العرب والمسلمين أينما كانوا.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العراقيّون وكِذْبَات نيسان والتناحر المُرتقب!

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!