قراءة في رسالة هيئة علماء المسلمين في الذكرى السادسة للاحتلال



25 /04 /2009

إمتازت مواقف هيئة علماء المسلمين التي يرأسها الشيخ الدكتور حارث الضاري ، بجملة من المواقف المهمة والأصيلة، وفي مقدمتها ثباتها في مقارعة الاحتلال والصبر في المواقف الصعبة وعدم الرضوخ للضغوط المختلفة التي سلطت عليها من قبل العديد من الأطراف العراقية وغيرها ،
 وإمتازت الرسائل التي توجهها الهيئة في المناسبات المختلفة بالدقة والاستقراء الدقيق للأحداث.
واليوم وبمناسبة الذكرى السادسة لاحتلال هذا البلد وجهت الهيئة رسالة إلى الشعب العراقي ذكرتهم فيها بالعديد من الحقائق التي لا ينبغي أن تغيب عن البال أبداً ، ومنها أن الاحتلال وأعوانه هم الذين تسببوا بـ( الهولوكوست العراقي ) ، فهم الذين قتلوا نحو مليون ونصف مليون عراقي، وترميل نحو مليوني امرأة وخمسة ملايين يتيم ، بالإضافة إلى مئات الآلاف من المرضى والمعوقين ، ومئات الآلاف من الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال وسجون حكومته.
وفي ملف المهجرين فان الحكومة الحالية تتناسى تهجير أكثر من خمسة ملايين عراقي في الخارج، وثلاثة ملايين في الداخل ، وفي ظل إنشغالها بالجانب الأمني المتدهور ، وتجاهلها لما يعانيه أبناء الشعب العراقي المبتلى ، هنالك ملايين العاطلين عن العمل ، ومئات الآلاف من المتسولين ، الذين يعيشون على النفايات ، ويسكنون الأكواخ في بلد يعد وفق المقاييس المادية من أغنى البلدان في العالم.
هذا الشعب الذي لم يستقبل المحتلين بالورود والأزهار كما كانوا يتوقعون ، أو كما كان يروج لهم عملاؤهم وإنما استقبلهم بالنار والشرار ، كما استقبل آباؤهم وأجدادهم في عشرينات القرن الماضي بالسيف والفالة والمكوار.
فقد رسمت الرسالة التي تلاها الشيخ الدكتور حارث الضاري الأمين العام للهيئة ، حالة الانفصام بين الشعب العراقي والحكومة الحالية التي مازالت منشغلة بسرقة خيرات العراق والهيمنة على مقدراته في الوقت الذي يعاني فيه غالبية العراقيين من مشاكل اقتصادية واجتماعية كثيرة .
ان موقف الهيئة الثابت من دعم القوى المناهضة للاحتلال هو موقف صلب ، عرفت به ، ولم تتراجع عنه منذ تأسيسها والى الساعة ، وهو الهدف الأبرز من أهداف الهيئة ، وسبق للهيئة أن دعت الرئيس الامريكي باراك اوباما إلى تنفيذ وعوده التي أعلن عنها في حملته الانتخابية والتي تتضمن سحب قوات الاحتلال من العراق في حال فوزه برئاسة الولايات المتحدة ، لكنها في هذه الرسالة ترى أنه تراجع  عن صيغة الانسحاب الذي وعد به ، حيث استبدل الإنسحاب بالجدولة ، والستة عشر شهرا بنحو ثلاثة أعوام ، على وفق ما نصت عليه اتفاقية الإذعان والخنوع التي فرضها الرئيس الأمريكي السابق ، سيء الصيت المجرم ( بوش الإبن ) على حلفائه من الذين نصبهم للتسلط على رقاب العراقيين بالنار والدولار.
واكدت الهيئة وبكل وضوح انها لا تعول على جدولة الانسحاب الأمريكي من العراق ، وإنما على أبناء الشعب في جهدهم وجهادهم المقاوم لتحرير هذا البلد من رجس الاحتلال البغيض ، وأن المقاومة العراقية هي الفيصل والرائد في حسم هذه الجدلية ، وهي الوحيدة القادرة ، بإذن الله ، على إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الاحتلال.
وذكّرت الهيئة شعب العراق والعالم بالانجازات التي حققتها المقاومة العراقية على مدى سنوات نضالها وجهادها منذ عام 2003 وحتى اليوم ومنها : ـ وقوفها ببسالة عسكرياً وتكنولوجياً أمام قوة القطب الأوحد في العالم ، وأرغامها أمريكا على تبديل خططها وإستراتيجيتها في العراق أكثر من مرة ، استنادا الى ما صرح به بعض قادة الاحتلال أنفسهم.
وعلى المستوى الإقليمي كان للمقاومة العراقية الدور البارز في إفشال المشروع الأمريكي الرامي الى الهيمنة على العراق والمنطقة باسرها ، وإفشال ما سمي بمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي كان يهدف إلى تقسيم العراق ، وتقسيم دول المنطقة الرئيسية فيها ، وتغيير خريطة المنطقة وفق رغبة المحافظين الجدد والقوى التي تقف وراءهم ، وهي بذلك دافعت عن بعض دول المنطقة التي كانت ضمن المخططات المستقبلية لذلك المشروع الخطير .
وبرّزت الهيئة دور الشعب العراقي في رفض مشاريع الاحتلال التآمرية منذ الأيام الأولى وحتى أيامنا هذه على الرغم من التعتيم الإعلامي الذي مارسته وما زالت تمارسه قوات الاحتلال والحكومات التي تعاقبت في ظله ، وذلك من خلال المظاهرات التي شهدتها العديد من المدن والجامعات والملاعب الرياضية والاجتماعات الشعبية والعشائرية وغيرها.
واشارت الى موقف الشعب العراقي الرافض لمشاريع الفدرالية الهادفة الى تفكيك هذا البلد وتقسيمه الى دويلات صغيرة وهزيلة لا تخدم ابناء هذا الشعب الذين عرفوا بتماسكهم الاجتماعي الكبير .. موضحة ان هذا الشعب اثبت موقفه الرافض حينما تمكن من أجهاض مخطط فصل البصرة الفيحاء عن جسد العراق حيث سجل هذا الموقف بماء الذهب لأهلنا في الجنوب الذين كانت القوى التخريبية المتآمرة على العراق تراهن عليهم في تدمير النسيج الاجتماعي لهذا البلد الجريح ، كما كان لأبناء الموصل نفس الموقف البطولي حينما وقفوا مع المشاريع الوطنية ضد المشاريع الغريبة التخريبية
ولم تنس الهيئة الملاحم البطولية التي سطرها العراقيون في مقارعة الاحتلال المقيت سواء رجال المقاومة العراقية او غيرهم ، حيث اشادت بالتضحيات التي بذلها العديد من ابناء هذا البلد من بينهم (  قيصر الجبوري ، وبرزان الحديدي ، وإبراهيم كريم القره غولي ، ومحمد الجحيشي، ومنتظر الزيدي ) الذين زادوا في افعالهم بطولاتهم المشرفة من رفعة العراقيين .
ودعت الهيئة في رسالتها أبناء الشعب العراقي إلى المزيد من الصبر والثبات ومواصلة رفض الاحتلال ومشاريعه الخبيثة بكل الوسائل الممكنة ، حتى تتحرر ارض الرافدين الطاهرة من رجسه ورجس حلفائه .
وفي التفاتة واضحة ومميزة ثمنت الهيئة في رسالتها عاليا دور المرأة العراقية المجاهدة في رفض الاحتلال الغاشم ومقاومته من خلال تقديمها الشهداء فداء لهذا الوطن ، فتراها تودع ابنها الشهيد او زوجها أو اخيها بالزغاريد إلى مثواه الاخير .. مؤكدة ان هذه المواقف البطولية التي سجلها التاريخ للمرأة العراقية تعد من المواقف النادرة التي يحتفظ بها التاريخ ، فهن كما قالت رسالة الهيئة "حفيدات الزهراء والخنساء وخولة بنت الازور وحفصة العمري".
وفي ختام رسالتها بشرت الهيئة ـ كعادتها ـ أبناء الشعب العراقي بالنصر المؤزر القريب قائلة : " بل انتم على أبوابه إن شاء الله تعالى ، فبالصبر والثبات والبذل والعطاء يرقب أبناء شعبنا يوم النصر الذي سيحتفلون فيه بخروج الاحتلال لينعموا بحياة ملؤها العز والكرامة والعيش الرغيد ".
والحقيقة التي ينبغي أن لا تغيب عن ذاكرة الجميع ، هي أن الشعب العراقي بكل أطيافه ـ بعيدا عن مواقف الساسة التي لا تخرج عن سياسة المحتل ـ مصمم على تحرير العراق من براثن الاحتلال البغيض ، وطرد كل الغرباء الذين جاؤوا على دباباته ، وتسليم هذا البلد الى المخلصين والشرفاء من ابنائه بغض النظر عن إنتماءاتهم المذهبية والعرقية.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى