ما الذي قدمه البيتان الأبيض والأخضر للعراقيين


24 صفر 1431

منذ أن احتل العراق من قبل الأشرار، ونحن نسمع إدارة البيت الأبيض في واشنطن، والبيت الأخضر في بغداد عن إنجازات وخطوات مهمة في طريق الرقي والنهضة للدولة العراقية بعد عام 2003.
ونحن لا نتحدث عن دولة في أفريقا لا تملك مقومات الدولة المعروفة للجميع، بل نتحدث عن دولة عريقة لها قدم السبق بين الأمم والشعوب، من حيث الحضارة والتقدم، والرقي، والتباهي بالعلم، والعلماء، والعمران، وهذا ما تشهد به كتب التاريخ القديمة، والحديثة.

والاحتلال، ومعه الرجال الذين ركبوا دبابات القتل والخراب، يتباهون اليوم بمسميات تافهة مجتها مسامع العراقيين، وهي العراق الجديد، والعراق الديمقراطي ووو، وغيرها من التسميات التي لم نر من آثارها شيئا على الأرض، بل على العكس من ذلك تماما، فالعراق الجديد صار اليوم عراقا مدمرا، وهذا ما تشهد به مدننا الحبيبة من بغداد إلى البصرة جنوبا، والى الانبار غربا، وديالى شرقا، والموصل شمالا، والعراق الديمقراطي تشهد على ديمقراطيته السجون والمعتقلات السرية والعلنية، والتي تدار من قبل رجال السياسة في البلاد، وكذلك سياسة تكميم الأفواه التي تشهد بها منظمات حقوق الصحافة في العالم، بما فيها المنظمات الأمريكية.

والعراق حينما أحتل كان بلدا عامرا بالطرق، والجسور، والمعامل، والمصانع، والمنشات، فكل شيء كان يصنع فيه، من الأدوية المتميزة في سامراء، إلى مصانع الصلب والحديد، والنسيج ، والمواد الكهربائية، والمحولات، بل وحتى تجميع السيارات في الإسكندرية، وتكرير النفط وتصفيته، ومصانع التعليب، والحليب، والأسمدة والإطارات، والبطاريات، بل إن العراق وصل إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي تقريبا، وهذا الكلام بعيدا عن التصنيع العسكري، الذي يعد من الصناعات المهمة في كل دولة حديثة.
إذا نحن أمام دولة ـ لو قدر الله لها ـ أن تستمر لكانت اليوم الند القوي للعديد من المخططات التخريبية، وفي مقدمتها تلك القادمة من إيران، والتي كانت ـ وما تزال ـ المستفيد الأول من تدمير الدولة العراقية.

ومنذ الأيام الأول للاحتلال سمعنا عن إعمار العراق، وكما يقال يقتلون القتيل، ويمشون في جنازته، فهم الذين خربوا العراق، ودمروه، وهجروا أهله، ثم يتحدثون عن إعماره، ورغم هذه الأكاذيب، والوعود الخيالية فإن العراقيين لم يروا أي نوع من أنواع الاعمار؟!!
والاعمار الذي يتحدثون عنه، هو إعادة بناء ما خربته آلة الحرب الأمريكية الإجرامية في العراق، وكذلك ما خُرب من قبل المجرمين، من الذين لا يحبون الخير للعراق، من الذين جاوؤا على ظهور الدبابات، وكانوا على إستعداد لتدمير العراق، واستلامه صحراء قاحلة؛ من اجل إستلام زمام الحكم، وليتهم لم يفعلوا؟!!

وبتاريخ 23/10/2003، طالب الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان في كلمة أمام مؤتمر مدريد للدول المانحة، في المساهمة بـ"سخاء" في عملية إعادة إعمار العراق، ومنذ ذلك الحين ونحن نسمع بلجان تجتمع في بغداد، وواشنطن، وعَمان، واسطنبول، وعلى القمر، وفي كوكب المريخ، كلها تعمل من اجل إعادة اعمار العراق، والحمد لله، المبالغ الطائلة التي رصدت للاعمار بسبب الخراب الذي عم البلاد من أقصاها إلى أقصاها، سال لها لعاب الرجال "الأخيار"، من الذين شمروا عن "سواعدهم لبناء العراق"، وكانت النتيجة، سرقة المليارات من الدولارات؟!!
وهذا الكلام شهد به الاحتلال قبل غيره، وبتاريخ 14/ ديسمبر 2008، قال تقرير أمريكي نشرته صحيفة نيويورك تايمز أعده المحامي الجمهوري ستيوارت بوين جنيور، وجاء تحت عنوان "الدرس الصعب: تجربة إعادة اعمار العراق"، والرجل كان يزور العراق بشكل دائم ويعمل بالتنسيق مع مجموعة من المهندسين ومدققين هناك، قال " إن عملية إعادة إعمار العراق التي قادتها الولايات المتحدة أهدر فيها 100 مليار دولار وانتهت إلى الفشل".

وفي التقرير فقرة منسوبة إلى وزير الخارجية الأمريكي السابق كولن باول يقول فيه إنه "وبعد أشهر من اجتياح العراق عام 2003، قامت وزارة الدفاع الأمريكية باختلاق الأرقام حول عدد المنتسبين إلى القوى الأمنية العراقي وكان هذا الرقم يقفز نحو 20 ألفا في كل أسبوع، وأن ما أدلى به باول وافق عليه قائد القوات الأمريكية البرية في العراق آنذاك الجنرال ريكاردو سانشيز ورئيس سلطة التحالف المؤقتة في العراق حينها بول بريمر. وأن الولايات المتحدة وبعد 5 أعوام من بدءها اكبر مشروع إعادة اعمار منذ خطة مارشل لإعادة اعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، أظهرت إنها لا تملك السياسات ولا القدرات التقنية ولا الهيكلية التنظيمية لانجاز مشروع بهذا الحجم. وأن جهود إعادة الاعمار ركزت على إصلاح ما خلفه الغزو الأمريكي للعراق من الدمار.

وقبل أيام كشفت دراسة اقتصادية حديثة أن تكلفة إعمار العراق حتى عام 2010 تبلغ نحو 187 مليار دولار، وقدر التمويل المحلي الممكن بقيمة 42%، ما يعني أن الحصة المطلوبة من الاستثمار الأجنبي والقروض، والمنح هي 58%.
فيما كشف تقرير اقتصادي أن مؤشر التضخم السنوي ارتفع في العراق خلال الفترة من أكتوبر 2006 وحتى أكتوبر 2007 بنسبة 20.4%.
هذه هي حقيقة النهب والسلب في البلاد اليوم، وفي ذات الوقت يجري الحديث عن اجتثاث الفساد، ولا ندري إن لم يكن هذا فساداً، فكيف يكون الفساد؟!!
الحقيقة التي لا ينبغي أن تغيب عن بال الجميع، أن أمريكا، وعملائها مجرمون قتلة، لا يمكنهم أن يساهموا إلا بما يكون سببا في خراب، وتدمير العراق، أما الحديث عن المنجزات التي تتحقق هنا، أو هناك، فهو مجرد كلام؛ لأن هؤلاء الساسة همهم الأول، والأخير، هو مصالحهم الشخصية، والحزبية، أما إعمار العراق فهو أمر ثانوي، لا مجال للحديث عنه في هذه المرحلة، وكان الله في عونك يا عراق.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى