أطفال للبيع، ومسؤول عراقي!


تابعت في يوم 17/10/ 2016 برنامج (من الواقع) على قناة (هنا بغداد)، وكان الضيف الذي يمثل الجانب الحكومي هو الدكتور ناظر الشمري، وهو مدير هيئة ذوي الاحتياجات الخاصة، والضيف الآخر هو أب وأطفاله الخمسة وزوجته، وحينما بدأ الأب "أبو خضر"، بسرد قصته- الغريبة عن عادات العراقيين ومعتقداتهم- والتي هي باختصار:" أن الأب عرض اثنين من أطفاله للبيع بمبلغ 300 ألف دينار عراقي فقط، ( كل طفلة بـ 125 دولار أمريكي تقريباً)، لإعالة بقية أولاده، والرجل معوق حرب أُهمل من قبل الحكومة، ولا يعرف كيف يُعيل عائلته، ولا يملك قوت يومه".
القصة لم تنته هنا، وإنما بدأت في هذه اللحظة، حينما انسحب الضيف المسؤول من البرنامج. حيث إنه - وفي أثناء البرنامج، وخلال حديث "أبو خضر" عن قصته- رأينا قد انسحب خلسة من البرنامج، والرجل – أي المسؤول- وكما قال فان مهامه تقف عند حدود ترتيب لجنة طبية للمعوقين في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية.
وفي لحظة انسحابه طالبه مقدم البرنامج بالرجوع، فرد عليه: " لا ارجع. لا يمكن أن أكون مدافعاً عن سرّاق البلاد، ولا يمكن أن أكون مدافعاً عن سلطة معينة مارست شيئاً معيناً بحق هؤلاء الناس، ولا أريد أن أكون في موقف المدافع. أنا رجل أحب الحق، الناس الذين بيدهم الأموال سرقوها، وأنا لا يمكنني أن أقدم لهذه العائلة شيئاً، وهذا الأمر يُؤلمني، واشعر بالخزي والعار، وهؤلاء سرقوا قوت الملايين من المواطنين. ولا يمكن أن أقدم لهذا الرجل شيئاً، ولو جاءت معاملته لدينا لبقيت سنة على الأقل قبل البت بها، وهذا الرجل يُعاني كل لحظة بلحظتها، ويتألم، وهو بحاجة لمساعدة عاجلة، وأنا لا استطيع أن احل مشكلته، ولا يمكنني تحمل هذا الموقف المؤلم، وهذا الإنسان بحاجة لمسؤول يقول له تفضل خُذ ما يكفيك حتى تعيش، ووزارة الهجرة والمهجرين لديها تريليون دينار عراقي كان يفترض أن تصرفها، واخذوا الأموال بجيوبهم وانهزموا".
عائلة أبو خضر من سكنة حي طارق ببغداد، وهو مهجر من الشرقاط، ومعوق حرب، وسبق أن ضُرب برأسه، وزوجته مريضة بالصرع، ووضعه المالي مأساوي، وقد نام وعائلته عشرات الأيام  بلا طعام، ويسكن في خربة غير صالحة للاستخدام البشري.
وبعد هذه اللحظات العصيبةً قال الضيف المسؤول: " إن الوضع في العراق بحاجة إلى قوة جبارة تغير الوضع السيئ جداً، ولا اعرف لماذا لا توزع وزارة الهجرة الأموال؟ وهي تضع شروطاً كبيرة من اجل مساعدة المحتاجين. البلد يحترق، ويمر بمأساة والجميع ينهشون بلحمه، هذا الموقف مؤلم، ولا يمكنني أن أتحمله، ولا يمكن أن أتحمل هكذا موقف، إلا إذا أردتم أن أُصاب بجلطة".
وبعد خروج المسؤول من البرنامج، أجبر على العودة بعد إلحاح كبير من إدارة القناة، وحينما دخل للأستوديو آثر أن لا يجلس إلا بعد أن يُقدم مبلغاً من المال للعائلة، قائلا لهم: "هذا المبلغ مني، وليس صدقة، وفي منتصف كل شهر تأتون للدائرة تأخذون راتباً مني، وهو جزء من راتبي، وليس من الدولة، وهذه ليست منة عليكم، وهذا واجبي لأنكم أبناء بلدي، وأنت أخي الصغير، وأولادك أحفادي وتصرفي معك كمواطن وليس كمسؤول حكومي"، بعدها غادر الأستوديو.
وبغض النظر عن الإهمال الحكومي للمواطنين والجرأة التي أبداها المسؤول الحكومي في حديثه، فان هذا الحس الإنساني المميز الذي أظهره هذا الرجل لو كان سائداً عند بعض المسؤولين فاعتقد أن حال العراق سيكون أفضل بكثير من وضعه الحالي.
النظرة للمنصب الحكومي على أنه غنيمة ومكسب وسبيل للكسب غير المشروع هو جزء من الخراب المستمر في بلادنا، وعليه فان المسؤول النزيه هو الذي يضع نفسه محل المواطن، ويجعل احتياجاته كاحتياجاته، أما النظر للمواطن على أنه مُطالب بعطايا حكومية، وليس صاحباً لحقوق، فهنا تكون القاصمة التي أوصلت العراق إلى هذا المنحدر الخطير من الفساد المالي والإداري، والذي نلمسه في كل مفصل من مفاصل الحياة المدينة والعسكرية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى