الصحافة العراقية بين العيد والاغتيال والتغييب




الصحافة الحرة، هي الصحافة التي تنطلق من الضمير الإنساني الحي، والصحافة -وإن كانت علما يدرس في الجامعات اليوم- إلا أنها في حقيقة الأمر ممارسة تتطلب جملة من الصفات التي
 ينبغي أن يتحلى بها منْ نذر نفسه للسير في طريقها المليء بالاتهامات والمكائد والصعوبات، وهي في ذات الوقت مهنة إنسانية نبيلة.

ومن أهم الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها الصحفي، صاحب الرسالة -أياً كانت رسالته- هي أن يكون مؤمنا بما يكتب، ومستعدا للتضحية في سبيل المبدأ الذي آمن به بحياته وبحريته، وهذا هو حال أغلب الصحفيين في العراق اليوم.

وقبل أيام احتفل صحفيو العالم باليوم (أو العيد) العالمي للصحافة (الثالث من أيار/ مايو من كل عام )، وهو يشابه الأعياد التي ملئت بها تقاويم الأمم، والعبرة ليست في العيد، ولكن في جوهره وحقيقته، فالناس تحتفل بعيد الأم، وهنالك نسبة كبيرة لا تعطي الأم حقها، وكذلك الحال مع عيد العمال، حيث تعاني هذه الشريحة من جور أغلب أصحاب رؤوس الأموال، وعيد الصحافة لا يختلف عن هذه الأعياد التقليدية، وينبغي إعادة صياغة هذه المصطلحات، وذلك بضرورة التذكير بحقوق الأم والعامل والصحفي وغيرهم من طبقات المجتمع التي تعاني التهميش والضياع، بدلاً من وضع "أعياد" لا تخدمهم بشيء.

والإعلام الحكومي اليوم في العراق -مع الأسف الشديد- غالبه، موجه لتشويه الحق، ولا ينسى أي فرد عراقي الأفلام المخجلة، والاعترافات الباطلة التي أدلى بها العشرات من المعتقلين في مرحلة ما بعد الاحتلال؛ مقابل إطلاق سراحهم، وهذا الدور المخجل قامت به الفضائية الحكومية الرسمية في بغداد.

ونحن متفقون على أنه ما من وسيلة إعلامية إلا وهي موجهة، إلا أن هذا الأمر لا يعني أن نتنكر للقيم والمبادئ والأخلاق والأعراف في سبيل إسقاط وتشويه سمعة المقابل، وليس من المروءة، ولا من الرجولة أن يعمل الإعلامي على قلب الحقائق من أجل ضرب المقابل.

وضمن التناقضات التي لطالما تحدثنا عنها في بغداد ما بعد عام 2003، ذكر مرصد الحريات الصحفية في العراق "الديمقراطي" أن الانتهاكات التي تعرض لها الصحفيون العاملون في العراق مابين 3 أيار/ مايو 2010 إلى 3 أيار/ مايو 2011، سجلت أعلى مستوياتها، مما يؤكد بشكل واضح غياب شبه تام لحرية الصحافة في مدن البلاد كافة بما فيها منطقة كردستان، وولد تصاعد العنف المنظم ضد الصحفيين من قبل الأجهزة الأمنية والسلطات الحكومية خوفاً لدى الصحفيين من أن تزج بهم السلطات الأمنية والعسكرية في السجون، أو أن تعمد إلى إيذائهم لمجرد القيام بمهامهم الميدانية.

وبحسب جداول المؤشرات للمرصد، فقد صنفت الاعتداءات ضد الصحفيين ومؤسساتهم الإعلامية بـ (91) حالة اعتداء بالضرب تعرض لها صحفيون ومصورون ميدانيون من قبل قوات الأمن والجيش العراقيين، واعتقل واحتجز (67) صحفياً وإعلاميا تفاوتت مدد اعتقالهم واحتجازهم، وأغلقت السلطات الأمنية (9) مؤسسات إعلامية، وتعرضت (11) مؤسسة إعلامية للمداهمة والعبث بمحتوياتها وتهشيم بعض أجهزتها، وسجلت (69) حالة تضييق و(49) حالة منع و(8) هجمات مسلحة تعرض لها صحفيون ومؤسسات إعلامية و(56) حالة لانتهاكات مختلفة، فيما قتل (12) صحفيين بأسلحة كاتمة للصوت وعبوات لاصقة.

وهذه الارقام شبه الرسمية تعكس حقيقة الواقع المرير للديمقراطية وحرية الصحافة في بلاد النهرين الجديدة؟!!

العيد الحقيقي للصحافة هي أن يقول الصحفي كلمته ولا يخشى أن تزهق روحه مقابل صرخته المدوية بالحق، والعيد أن تحترم حرية الصحافة من قبل المسؤولين، وأن لا تحجب المعلومة عن الصحفي الذي هو في الحقيقة السلطة الواعية، وضمير الأمة الحي الهادف لتحقيق تميزها بين الأمم.

الحرية الحقيقية هي أن يعرف الصحفي أنه إنسان محترم، وأن له دورا متميزا في عجلة البناء، وإن كان يبدوا كلامه في ظاهره هو ضد هذه الجهة، أو تلك؛ لأن الطبيب الجراح حينما يتطلب العلاج تداخلا جراحيا، فهو يعمل من أجل مصلحة المريض، ومن أجل بناء الإنسان لا تخريبه وقتله، وهكذا هو حال الصحفي فهو صاحب رسالة تبني ولا تهدم، وتبعث الأمل وتقتل اليأس، رسالة أهدافها وحدوية تجميعية صادقة وعفيفة، وهذا ما نتمناه من الصحافة أينما كانت.










تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العراقيّون وكِذْبَات نيسان والتناحر المُرتقب!

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!