منْ الأولى بالوصاية الدولية؟




أنشئ نظام مجلس الوصاية التابع لمنظمة الأمم المتحدة، بعد قيام المنظمة، ليطبق على الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، ولاسيما الأقاليم التي كانت تخضع لدول المحور. إذ أنشئ "مجلس الوصاية" لرعاية مصالح شعوب تلك الأقاليم، والأخذ بيدها نحو الحكم الذاتي والاستقلال.

وبحسب الموقع الرسمي للمنظمة الدولية، فإن مجلس الوصاية علّق أعماله في 1 تشرين الثاني (نوفمبر) 1994، بعد أن استقلت بالاو في ذلك التاريخ، وهي آخر إقليم مشمول بوصاية الأمم المتحدة. وعليه، عدّل المجلس نظامه الداخلي بحيث لم يعد يتضمن الالتزام بالاجتماع سنوياً، ووافق على أن يجتمع حسب الحاجة، بقرار منه، أو من رئيسه، أو بناء على طلب أغلبية أعضائه أو الجمعية العامة أو مجلس الأمن.

والوصاية في القانون تحدث في "حالة فقدان الولي الشرعي للأهلية، أو الأسباب الشرعية التي تجعل منه قيماً على أبنائه، كالسفه مثلاً، فينتقل الأمر في هذه الحالة إلى وصي يتم تعيينه من خلال المحكمة، ويقوم مقام الولي الأصلي".

ويبدو أن بعض السياسيين العراقيين صاروا يستخدمون هذه المفاهيم لضرب مخالفيهم. فالأسبوع الماضي، وخلال مقابلة مع قناته التلفزيونية الشخصية "آفاق"، شن نائب رئيس الجمهورية العراقي نوري المالكي هجوماً عنيفاً على المملكة العربية السعودية، أكد فيه "على أن جذر الإرهاب والتطرف والتكفير هو من المذهب الوهابي في السعودية، وأن الحكومة السعودية غير قادرة على ضبط هذا التوجه الوهابي التكفيري. ولعجزها، أنا أدعو أن تكون السعودية تحت الوصاية الدولية، وإلا سيبقى الإرهاب يتغذى من أموال السعودية، وينمو على حساب السعودية وبيت الله الحرام، وبقاؤها هكذا سيدمر الجسد العربي وغير العربي".

والكلام ليس مجرد نزوة سياسية طفت إلى السطح خلال مقابلة تلفزيونية، وإنما هو موقف رسمي من فم نائب رئيس الجمهورية حالياً، ورئيس الوزراء السابق، وزعيم حزب الدعوة، الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي.

وبمتابعة تطورات الأحداث، لم نسمع أو نقرأ استنكاراً حكومياً يتعلق بتصريحات المالكي. وهذا يعني موافقة حكومية غير مباشرة على تلك التصريحات، التي دمرت الأسس البسيطة التي بُنيت عليها العلاقات العراقية-السعودية مؤخراً. وباعتقادي، فإن هذا التصريح أجهض المحاولات الدولية والإقليمية الساعية إلى إعادة المياه لمجاريها بين البلدين.

وبمراجعة واقع حال العراق وغالبية دول العالم، يمكننا أن نجزم أن الدولة العراقية الحالية أولى بالوصاية الدولية من غيرها، وذلك للأسباب الآتية:

1 - وقوف غالبية السياسيين مع دول الاحتلال، وتشجيعهم لاحتلال وخراب بلدهم.

2 - فشل غالبية السياسيين في ترتيب وتنظيم مؤسسات الدولة. وبالتالي، صار العراق من الدول التي يشار إليها بالفشل والضياع.

3 - فشل الشراكة السياسية بين غالبية المشاركين في اللعبة السياسية، فصارت العملية السياسية جزءاً من المشكلة، وليست جزءاً من الحل.

4 - فقدان الحكومة سيطرتها على نصف مساحة البلاد تقريباً، والدولة اليوم منقسمة إلى نصفين: الأول بيد الحكومة ومليشياتها، والآخر بيد تنظيم "داعش".

5 - تابعية القرار الرسمي، بشكل علني وواقعي، للجارة إيران، نتيجة غياب الدور التنفيذي والتشريعي في عموم السياسات الداخلية والخارجية، والذي نتج عنه ضعف الجهد الدبلوماسي في المحيطين العربي والدولي في السياسة الخارجية لانعدام الاستقلالية في القرار السياسي، وأكبر دليل على ذلك تصريح المالكي الأخير.

6 - ضياع هيبة الدولة، والانتشار العلني للمليشيات في عموم الشارع العراقي.

7 - انهيار المنظومة الاقتصادية، وتفشي الفساد الإداري والمالي في غالبية مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية.

8 - تفشي الخراب في غالبية المؤسسات القضائية التي أصبحت معولاً بيد غالبية الأطراف العسكرية والمدنية في البلاد.

هذه الأسباب وغيرها، تدفعنا لإعادة التأكيد على أن الحل الجذري للقضية العراقية الشائكة يكمن في عقد مؤتمر عالمي لتدويل القضية العراقية، والضغط الإقليمي والدولي على الدول المتوغلة في الشأن العراقي لترك البلاد لأهلها. وباعتقادي أن هناك العديد من الدول في المنطقة قادرة على القيام بهذا الجهد الدبلوماسي، ومنها المملكة العربية السعودية.

فهل بعد هذه الأدلة أي كلام يا دولة نائب الرئيس؟!


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى