قراءة في رسالة هيئة علماء المسلمين إلى قمة الدوحة!



02 /04 /2009 م

الرسالة التي وجهتها الأمانة العامة لهيئة علماء المسلمين مساء السبت الماضي 28/3/2009/ إلى الرؤساء والملوك والقادة العرب الذين شاركوا في القمة العربية التي استضافتها قطر ، والتي ألقاها
 الشيخ الدكتور حارث الضاري الأمين العام للهيئة ، فيها الكثير من النقاط المهمة والحلول الناجعة للإشكال الذي يعاني منه العراق منذ احتلاله عام 2003 ، وحتى هذه الساعة.
فالشعب العراقي هو جزء مهم في الجسد العربي الكبير، وإستقراره وسلامته ، إستقرار وسلام للعالم العربي عموماً ، وللمنطقة خصوصاً ، وأن التوافق العربي في هذه المرحلة سيقود في النهاية إلى خدمة القضية العراقية المعقدة ، ولتاكيد هذه الناحية قالت الهيئة في رسالتها ( إننا نخاطبكم بصفتنا جزء من شعب عربي ، دفع ثمنا غاليا بسبب غياب الموقف العربي لإنقاذه من كارثة ألمت به ، لم يشهد العالم الإنساني في العصر الحديث لها نظيرا ، ومن ثم نحن ومن كان على شاكلتنا في المصاب أكثر إحساسا من غيرنا بأهمية أن يسود بينكم وفاق، وأن يكون لكم موقف موحد في معالجة أزمات المنطقة والأمة ).
التضحيات التي دفعها شعبنا العراقي الأبي ومنها أكثر من مليون ونصف شهيد ، وأكثر من خمسة ملايين مهجر في الخارج ، وثلاثة ملايين مهجر في داخل العراق ، سببها الاحتلال الامريكي الظالم للبلاد " لقد احتل بلدنا ظلما وعدوانا ".
أما حال العراق بعد الاحتلال ، والذي كان من الدول التي يشار إليها في الشرق الاوسط ، فإنه اليوم دمرت بنيته التحتية ، وصار الشعب العراقي اليوم الشعب الأفقر في المنطقة ، في بلد هو الأغنى فيها .
الشعب العراقي يتطلع إلى وقوف الأخوة الأشقاء العرب معه في محنته الكارثية التي يعاني منها منذ أكثر من ست سنوات ( في أعناقكم مسؤولية مد يد العون إليه في الملمات والأزمات ، وهي مسؤولية تمليها عليكم أواصر العروبة ، وصلات الدم ، وقبل ذلك وبعده ، مبادئ ديننا الإسلامي الحنيف ).
مرحلة ما بعد الاحتلال وتشكيل ما سمي مجلس الحكم وغيرها من صور العملية السياسية الحالية في العراق وصفتها الرسالة بان امريكا استعانت خلالها بمن " يحسبون على العراق وهم لا ينتمون إليه أصلا أو ثقافة ، ولا يدينون بالولاء له ، فشكلوا أكثر من عملية سياسية".
العراقيون عرفوا بتماسكهم الاجتماعي، ولم تكن بينهم في مرحلة ما قبل الاحتلال أية نعرات طائفية أو عرقية، والفتنة الطائفية والفرقة بين ابناء الشعب العراقي ، والتي اجهضت بقوة الله أولاً ، ثم بتفهم الشعب العراقي للمؤامرة ، سببها الاحتلال والعملية السياسية ، حيث بنيت هذه " العملية السياسية على أسس المحاصصة الطائفية والعرقية ، وهي أسس أسهمت بشكل واسع في إذكاء الروح الطائفية الإقصائية ".
القرار الأمريكي بالانسحاب من أرض العراق ، جاء بعدما لم يجد الاحتلال من أبناء الشعب العراقي قبولاً ، وبعدما ذاق ذل ومر الهزيمة ، على يد رجال المقاومة العراقية الباسلة " لم يجد المحتلون سبيلا للبقاء على أرضه ، فقرروا الجلاء عنه ، وأعلنت الإدارة الجديدة جدولا لانسحاب قواتها ، ونأمل أن يكون حقيقيا ، وبداية لانسحاب كامل أن شاء الله ".
المرحلة الحرجة والمهمة التي تنتظر العراق ، هي مرحلة ما بعد انسحاب قوات الاحتلال الامريكي، التي تتطلب إستعدادات عربية لهذه المرحلة ، لان العراق هو الشريان الأهم في المنطقة لعدة عوامل منها موقعه الاستراتيجي وغيرها ، ولا يمكن تجاهله بحال من الأحوال ؛ والسؤال الذي ينبغي أن يثار الآن هو ( ماذا بعد خروج الاحتلال ، وما الذي أعددتموه لتلك اللحظة).
فيما حذرت الهيئة باسلوب دبلوماسي رفيع ، من تدخلات إقليمية بالشأن العراقي في ظل غياب عربي واضح ( في وقت يعمل فيه غيركم ليل نهار وبشتى الطرق المشروعة وغير المشروعة ، ليبسط نفوذه على العراق ، ويهيمن على خيراته وسياساته ، ويجعل منه منطلقا لتحقيق أحلامه وأوهامه ).
الدعم العربي وإلتفاف بعض الدول العربية حول حكومة المالكي الحالية ، يعتبر خطأ قاتلاً ، وأن  هذه ( الحكومة هي جزء كبير من المشكلة ، وهي سبب من أسباب عدم استقرار العراق ، وغياب الأمن الحقيقي فيه ).
فالتناقضات الواضحة في سياسة حكومة المالكي ، وكيلها للامور بموازين طائفية بحتة ، حيث ( تدعي الحكومة الحالية أمامكم أن أمنا قد تحقق في العراق ، لأنها تريد استدراجكم نحو دعمها ، ومد العون إليها ، والواقع ينفي ذلك ).
الاوضاع الامنية المتدهورة في العراق اليوم ، على الرغم من إدعاء الحكومة الحالية تحسن الوضع الامني فيه ، فان المقصود به هو حماية الشخصيات النفعية المتواجدة في المنطقة الخضراء ، أما أمن المواطن العراقي فإنه في آخر إهتمامات الساسة في البلاد ( أما إذا أريد بالأمن ، أمن الوطن والمواطن، وهو المهم لأمن المنطقة ، لأنه ينعكس عليها سلبا وإيجابا ، فلا أمن ولا أمان لهما منذ أن وطئت أقدام الاحتلال وحلفائه أرض العراق ).
الإنفلات الواضح للحدود العراقية أمام عصابات القتل والارهاب ، حيث أن ابواب العراق مشرعة لكل ( من هبَّ ودبَّ من عصابات الشر والإجرام ، تعيث في أرض العراق قتلا وفسادا وتدميرا ، وهذا هو واقع يشهد به الاحتلال نفسه ، وينوه به بين آونة وأخرى مسؤولون في الحكومة الحالية نفسها ).
الميليشيات الحكومية والحزبية كان دورها واضحاً في زعزعة الامن وتصفية المناهضين للاحتلال والحكومة الحالية، فالمليشيات الحكومية اليوم (  بديلة للميلشيات الحزبية السابقة ، تقوم الأولى بما كانت تقوم به الأخيرة من تصفيات عرقية وطائفية ).
الممارسات الحاقدة للحكومة الحالية ، ومنها الاعتقالات العشوائية ، والتي تقود الى مصير مجهول ، في بلد يمكن وصفه بـ( الغابة القانونية ) ، حيث إن حقيقة الامور فيه ، هي أن قانون الغاب هو الحاكم والسائد ، بينما تدعي الحكومة أنها تنفذ القانون ( اعتقال العشرات ، وأحيانا المئات ، وهؤلاء يضافون إلى مئات الآلاف من السجناء الذين تعتقلهم الحكومة الحالية في سجونها المعلنة أو السرية ).
فالحكومة الحالية متورطة بشكل مباشر في هذه الاغتيالات ، حيث أفرجت مؤخراً عن ( عدد غير قليل من قادة فرق الموت الذين تورطوا من قبل في أعمال القتل على الهوية ، وقد تم ذلك في سرية مريبة ، توحي بأن وراء الأكمة ما وراءها ، هذا فضلا عن مسلسل التفجيرات الذي عاد بقوة في الأشهر الأخيرة ، في معظم أنحاء العراق ، موديا بأرواح العشرات من العراقيين يوميا ).
ما يسمى  بالمصالحة الوطنية ، والتعويل عليها ، يعتبر خطأ آخر لان ( القائمين على الحكومة الحالية لا يريدون المصالحة الحقيقية التي تعود بها اللحمة إلى العراقيين ، ولو كانوا جادين لتحققت المصالحة  في سنة 2005م وسنة 2006م حين اجتمعت جميع الأطراف في لقائي القاهرة للوفاق العراقي الوطني اللذين رعتهما جامعة الدول العربية ، وخرجا ببنود مهمة ، وواقعية وعادلة ).
ومما تم الإتفاق عليه حينها ( الالتزام بوحدة العراق وسيادته وحريته واستقلاله وعدم السماح بالتدخل في شؤونه الداخلية وإعادة النظر في الدستور الحالي ، وإطلاق سراح المعتقلين وإيقاف الاعتقالات الكيفية والمداهمات من إي جهة إلا بموجب أمر قضائي ، ومنها : إعادة المهجرين وضمان أمنهم واستقرارهم ).
الدور العربي في القضية العراقية لا يمكن إغفاله ، وأن الفرصة اليوم هي  ( فرصة ذهبية لانتشال العراق من أزمته ، وبنائه على نحو تعود إليه مكانته بينكم ، ويكون مصدر خير لنفسه ولجيرانه ).
الحلول الكفيلية التي توصل العراق والمنطقة الى بر الأمان تكون من خلال ( دعم القوى الوطنية المناهضة للعملية السياسية الممثلة جميع أطياف الشعب العراقي ولو معنويا في ظل الاحتلال ، فهذه القوى تمثل ، أديانا وأعراقا ومذاهب ، وهي اليوم متفقة على مشروع سياسي يقضي ببناء عراق يناسب التطورات في المنطقة والعالم ، عراق يكون تداول السلطة فيه سلميا ، ووفق المنافسة الشريفة بين أبناء الشعب العراقي ، بعيدا عن المحاصصات العرقية والطائفية ، ويدعم هذا المشروع بناء جيش وطني مهني يناسب المرحلة كيفا وكما ، ليس لديه ولاءات حزبية أو طائفية أو عرقية ، بل يكون ولاؤه للوطن ، ويقف على مسافة واحدة من جميع الجهات العراقية ).
وفي دلالة واضحة على الثقة بالله أولاً ثم بالقدرات الحقيقية للقوى الوطنية المناهضة للعملية السياسية ثانياً ، قالت الهيئة ( إن القوى الوطنية اليوم بما لها من ثقل ميداني ، وبما تمتلك من كفاءات في شتى الميادين قادرة على انجاز مثل هذه الخطوة بنجاح ، وفي زمن قياسي ، إذا توافر لها الدعم المناسب من قبلكم ، ومن قبل المجتمع الدولي الذي يريد للعراق وللمنطقة خيرا ).
ان الشعب العراقي ( يتطلع اليوم إلى هذه القوى الوطنية للخلاص من الواقع الأليم الذي يعيشه ، ويعقد عليها آمالا كبارا في مرحلة ما بعد التحرير، كما يتطلع إليكم أيها القادة العرب الكرام ، آملا بعد الله سبحانه أن يجد لديكم الفرص المناسبة لدعمها وإسنادها ، وتمكينها للقيام بمهمتها وأداء رسالتها في إنقاذ العراق ).
إننا جميعاً نطمح بيوم نرى فيه العراق محرراً من الاحتلال والخونة والعملاء ، حتى يعود هذا البلد الى سابق عهده المتميز في المنطقة ، خدمة لقضايا ديننا وأمتنا ، ونسأل الله العظيم أن يكون قريباً.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

السفارة البريطانيّة ببغداد... ودبلوماسيّة (الأكلات العراقيّة)!

العيد وسياسات التغريب عن الأوطان!