تفجيرات في أحياء الفقراء!


بعد هدوء نسبي من ناحية التفجيرات في الأحياء السكنية تفاجئ سكان العاصمة العراقية قبل أسبوع تقريباً بانفجار هائل في منطقة الحبيبية المكتظة بالسكان شرقي العاصمة بغداد.

لقد تعود العراقيون وبعد كل خلاف سياسي بين القوى الكبرى الفاعلة في البلاد على وقوع تفجير دموي يحصد المئات من الأبرياء في أماكن العمل والترفيه، وحتى في بعض الدوائر الرسمية المدنية والعسكرية، وحتى في أحيائهم السكنية.

الغرابة ليست في ذات الانفجار لكن في بعض الجوانب الأمنية المزامنة له من حيث التوقيت والأسلوب الذي وقع به، حيث إنه وقع في وضج النهار، وفي عجلة حمل مدنية صغيرة وسط عشرات السيارات في منطقة مليئة بالمحال التجارية والمواطنين، وهذا يؤكد جملة من الحقائق وبالذات في الجوانب الأمنية، ومنها عدم بسط الحكومة لسيطرتها على العديد من الأحياء السكنية، وبالذات تلك المعروفة بأنها مقار للقوى المسلحة الخارجة عن سيطرة الدولة.

في بداية الحادث أكدت المصادر الأمنية الحكومية أن انفجارا وقع في احدى الأسواق بمنطقة الحبيبية شرقي العاصمة بغداد، مما أدى الى سقوط مدني ضحية وإصابة 12 آخرين وحرق 5 عجلات، كمعلومات أولية للحادث.

والحبيبية من المناطق الهشة أمنياً والتي طالما شهدت العديد من التفجيرات في مراحل سابقة، ولكن الرواية الرسمية بخصوص التفجير تغيرت بعد ساعات، حيث أعلنت خلية الإعلام الأمني، الخميس الماضي أن" خبراء المتفجرات والأدلة الجنائية أجروا الكشف على العجلات المحترقة في موقع التفجير بشكل تفصيلي وتبين حصول انفجار داخل عجلة نوع (نيسان سني) كانت تحمل مواداً شديدة الانفجار أثناء حركتها في منطقة الحبيبية قرب أحد الأسواق الشعبية، وأن الانفجار أدى إلى احتراق العجلة بالكامل ومقتل سائقها وإصابة عدد آخر من المواطنين، فضلا عن احتراق عدد من العجلات القريبة منها."

هذا الانفجار اثبت جملة من الحقائق وبالذات بعد أن تسربت بعض الأخبار التي تشير إلى أن الانفجار وقع نتيجة عملية نقل العبوات ناسفة عبر سيارة حمل تابعة لجماعة مسلحة، والسبت الماضي ذكرت بعض المواقع الخبرية المحلية وقوع محاولات لتهريب أحد جرحى التفجير من مستشفى الجوادر بمدينة الصدر شرقي بغداد، وهنالك من يقول إنه سائق السيارة فيما تقول الحكومة إن السائق قتل في الانفجار، وهذا التداخل في الرواية ربما يفتح الباب على مصراعيه حول الجهة، أو الجهات الناقلة للعبوات المتفجرة.

ويوم السبت الماضي أيضاً نشرت قناة الحرة الأمريكية نقلا عن وسائل إعلام محلية عراقية وناشطون مقطعا مصورا مقتضبا لسيارات تعبر نقطة تفتيش، قالوا إن إحداها هي التي انفجرت، الخميس الماضي، شرقي بغداد، وظهر في المقطع ومدته 42 ثانية، السيارة التي يفترض أنها كانت المفخخة، ولونها أصفر وهي تقف عند نقطة التفتيش، فيما يقوم رجل أمن بإيقافها قليلا والحديث مع السائق ومن ثم السماح لها بالمرور.

وفي أفضل الأحوال فإن هذا التفجير يؤكد حقيقة كبرى وهي أن الأجهزة الأمنية لا تمتلك القدرة الكافية لبسط نفوذها على العديد من المحافظات العراقية، بسبب التداخل بين العمل الرسمي وغير الرسمي، أو بين المنظومة الحكومية والمنظومة المليشياوية، وهذا يعتبر الخلل الأبرز في بناء المنظومة الأمنية في العراق.

إن تخزين السلاح في الأحياء السكنية أعاد إلى الأذهان مخاوف العراقيين الذين تفاعلوا مع حادثة تفجير بيروت وأكدوا مخاوفهم من انتشار مخازن السلاح والعتاد المنتشرة في داخل العديد من المدن بما في ذلك العاصمة بغداد.

وهذه ليست المرة الأولى التي يفيد فيها مسؤولون أمنيون لوكالة فرانس برس عن انفجارات مماثلة تتعلق بأعضاء في مجموعات مسلحة شيعية، تنفجر المواد التي يحملونها قبل وصولهم إلى وجهتهم أو خلال نقلها.

 

وسبق لمدينة الصدر شرقي بغداد أن شهدت انفجارا خلف أكثر من 120 ضحية في تموز/ يونيو 2018 بسبب تخزين الأسلحة في الأحياء السكنية، وهو ليس الحادث الأول من نوعه، بل شهدت العديد من أحياء بغداد الشرقية، ومنها حي البلديات وغيره مثل هذه الانفجارات التي راح ضحيتها العشرات من الأبرياء.

وشهدت مدينة الدورة جنوبي بغداد في آب/ أغسطس 2019 سقوط عشرات الصواريخ نتيجة لانفجار مخزن لمليشيا منظمة بدر، وخلف عشرات الضحايا.

حالة الخراب الأمني التي يراد لها أن تستمر في العراق لا يمكن معها أن تبنى دولة.

من يريد أن يبني الدولة أمنياً عليه أن يحصر السلاح بيد المنظومة الرسمية، وأن يبسط الأمن في كل أرجاء البلاد، وعليه أن يؤكد القدرة الفعلية الحقيقية في الحفاظ على حياة المواطنين، وهذا الأمر، مع الأسف، غير موجود في العراق منذ سنوات طويلة.

هذه الحوادث الدموية تؤكد أن القوة الراكبة على ظهر الدولة في العراق تمتلك مخازن أسلحة متوسطة وثقيلة خارج إطار القانون وبالتالي يفترض أن تعمل الحكومة على تنفيذ حملة تفتيش كبرى يشارك فيها عشرات آلاف من عناصر القوات المسلحة لتصفية هذه المناطق من هذه الأسلحة، ويفترض بها أن تستخدم أجهزة حديثة للكشف عن الأسلحة والمتفجرات في هذه الأحياء من أجل تخليص الأبرياء من التفجيرات التي يمكن أن تقع في أي لحظة!

فهل يمكن لحكومة بغداد أن توقف تغول القوى المالكة للسلاح في البلاد، أم أنها أقوى من الدولة في كافة الميادين السياسية والأمنية والاقتصادية؟

 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

السفارة البريطانيّة ببغداد... ودبلوماسيّة (الأكلات العراقيّة)!

العيد وسياسات التغريب عن الأوطان!