السرطانات في العراق.. حقيقتها، وتداعياتها (2-3)!

 بعد أن خصصنا الجزء الأول من دراستنا المختصرة حول السرطانات في العراق للحديث عن السرطانات في محافظة الأنبار الغربية، سنحاول هنا إتمام كلامنا عن السرطانات في المدينة المنكوبة الثانية، وهي البصرة الجنوبية، 530 كم جنوبي العاصمة بغداد.

والبصرة كما معلوم هي مدينة الصبر والتحديات خلال مراحل المواجهات العراقية – الإيرانية، ثم في مرحلة المواجهة مع القوات الدولية خلال معارك الاحتلال الأمريكي البريطاني البغيض في العام 2003.

ولقد عانت البصرة منذ أكثر من عقدين من جملة من الكوارث الإنسانية، وفي مقدمتها كارثة السرطانات!

وقد تنوعت الأسباب التي أدت لكارثة البصرة السرطانية، وكما هو الحال في غالبية مدن العراق، ومن هذه الأسباب الحروب والإهمال الصحي وغياب الخطط العلمية الهادفة للتقليل من تنامي السرطانات في البلاد والمناحرات السياسية والحزبية وغيرها.

وسبق لمدير مستشفى البصرة التخصصي للأطفال الدكتور أسامة عمر أن  أكد بأن محافظة البصرة تتصدر إصابات السرطان في المحافظات الجنوبية، تليها ذي قار، ميسان، ومن ثم المثنى.

وقد كشف المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة العراقية سيف البدر بأن البصرة تتصدر مدن العراق بتسجيل إصابات بالسرطان، إذ بلغ" معدل الإصابات الشهرية عام 2020 ما يقارب (600-700) إصابة، وهذا ينذر بكارثة صحية خطيرة في المحافظات الجنوبية، وعلى الجهات أن تتعاون مع وزارة الصحة لمساعدة المرضى".

وبهذا الصدد كشف مدير دائرة البيئة والصحة في المنطقة الجنوبية وليد الموسوي لقناة "TRT عربي" في الثاني من شباط/ فبراير 2021 عن بعض أسباب السرطانات في البصرة، ومن بينها تصاعد نسبة التلوث البيئي، وكذلك لرمي المخلفات وتفريغ مياه الصرف الصحي لقرابة 15 مستشفى في البصرة بالأنهار الداخلية، وذلك لعدم وجود محطات بيولوجية خاصة بتلك المستشفيات. وأغلب تلك المستشفيات لا تلتزم معايير البيئة، ولقد كشفنا عن وجود 26 موقعاً ملوثاً في مناطق الدرهمية والهوير والرميلة وأبي الخصيب والبرجسية والقرنة وجبل سنام والفاو جنوب غرب البصرة وشمالها.

وأكد الموسوي أن "الآثار التي نتجت عن استخدام اليورانيوم المنضب من قبل الجيش الأمريكي ضد الجيش العراقي في حرب الخليج واستمرار زراعة الألغام والقصف الذي طال المنشأة الصناعية والنفطية ومحطات الكهرباء كان سبباً مباشراً بزيادة أمراض السرطان، ما أطلق التلوث على نطاق واسع من دون معالجة حكومية".

وكانت المنظمة الألمانية العراقية لحقوق الإنسان قد أجرت استقصاء عن حالات السرطان خلال السنوات الثلاث الماضية، يثبت ازدياد حالات الإصابة بهذا المرض في مناطق الانبعاثات الغازية المصاحبة لاستخراج النفط.

وكان العمل على 1650 حالة مصابة بهذا المرض الفتاك في قضاء المدينة شمالي البصرة فقط، 10% منهم غادروا الحياة، وما خفي كان أعظم حسب مختصين، وفقاً لما ذكرته وكالة رووداو بداية أيلول / سبتمبر 2021.

وفي تقرير لقناة الحرة الأمريكية كشف الطبيب ومدير مركز الأورام السرطانية في البصرة الدكتور رافد عادل بأن المناطق الجنوبية تسجل معدلات إصابة تصل إلى "78 حالة لكل 100 ألف من السكان"، وهي معدلات "طبيعية بالمقارنة مع دول الجوار، وأن الزيادة في تسجيل الإصابات الجديدة متسقة مع عوامل مثل الزيادة في عدد السكان، والزيادة في الكشوفات بسبب زيادة الوعي الصحي لدى المواطن، وتوفر أجهزة الفحص.

وعلى خلاف ذلك أكد مرصد "أفاد" العراقي لحقوق الإنسان الأربعاء (8 أيلول 2021) تسجيل أكثر من 1500 إصابة بمرض السرطان خلال شهري حزيران وتموز الماضيين في محافظة البصرة.

وأضاف المرصد: تشير التقارير غير الرسمية المتحصلة من دائرة صحة المحافظة المطلة على مياه الخليج العربي أقصى جنوبي العراق، إلى تسجيل أكثر من 700 حالة إصابة بالسرطان في شهر تموز/ يوليو الماضي، وفي شهر حزيران/ يونيو، تم تسجيل قرابة 800 حالة سرطان غالبيتها تتعلق بسرطان الثدي والرحم والقولون والرئة والدم (اللوكيميا) الذي بدا لافتا تسجيله بين الأطفال أكثر من غيرهم.

وحمل المرصد السلطات العراقية مسؤولية قرارها السابق بمنع المسؤولين المحليين في القطاعين الصحي والبيئي بمحافظة البصرة من التصريح أو الكشف عن الأرقام المتصاعدة والمخيفة لمرضى السرطان في المحافظة وخاصة بين الأطفال والنساء (سرطان الثدي والرحم والدم).

وفي بداية العام 2021 نقل حول مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عن الطبيبة” خلود العلوان” إحدى الطبيبات العاملات في مستشفى الطفل المركزي في البصرة عن أعداد ضخمة للمصابين بالسرطان من الأطفال في شمال البصرة، وتؤكد لمينا أن أكثر من 97 طفلا توفوا خلال عام 2020 نتيجة إصابتهم بالمرض وعدم تمكنهم من تلقي العلاج، فيما شهدت المشفى دخول أكثر من 190 مصابا جديدا بالسرطان خلال الشهرين الأخيرين من العام الماضي بينهم 56 طفلا.

وقد لاحظنا أن وزارة الصحة العراقية تتعمد إخفاء الأرقام الحقيقية لأعداد مرضى السرطان في عموم العراق!

وكشفت صحيفة القدس العربي في الثامن من أيلول/ سبتمبر 2021 نقلا عن مدير مكتب مفوضية حقوق الإنسان في البصرة مهدي التميمي بأن: «وزارة الصحة تتعمد إخفاء أعداد المصابين بالسرطان في البصرة، منذ سنوات، كما أن دائرة صحة البصرة لا تتعاون مع الإعلام ولا معنا كمفوضية في هذا الجانب، ولا نعرف الأسباب، لكن يبدو أن الأسباب سياسية ومرتبطة بالشركات العاملة بمجالات النفط والطاقة التي تستفيد منها الحكومة. مع العلم أن البصرة تشهد كارثة حقيقية».

وهكذا تستمر هذه مأساة السرطانات الصامتة، التي تهدم كيان الوطن والناس!

وللحديث عن حقيقة السرطانات وتداعياتها في البلاد لنا بقية حديث ورأي!

dr_jasemj67@

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

السفارة البريطانيّة ببغداد... ودبلوماسيّة (الأكلات العراقيّة)!

العيد وسياسات التغريب عن الأوطان!