أمريكا وايران![1]

 منذ أن دخل الرئيس الأمريكي السادس والأربعون جو بايدن إلى أروقة البيت الأبيض والعالم يترقب موقفه الفاصل بخصوص جملة من المواقف الأمريكية الخارجية وفي مقدمتها الموقف من الصراع الفلسطيني – الصهيوني (الإسرائيلي)، ومستقبل العلاقات الأمريكية – الإيرانية بعد أن وصل التهديد بين الطرفين لدرجات عالية الخطورة، وبالذات بعد اغتيال قاسم سليماني بداية العام 2020 في العاصمة العراقية بغداد.

وسنحاول هنا تسليط الضوء على مسألة الموقف الأمريكي المتوقع من إيران وبرنامجها النووي.

خلال الأسبوعين الأولين من تسنم بايدن لزمام الأمور لم يظهر أي موقف أمريكي واضح من إدارة الرئيس بايدن فيما يتعلق ايران، وكل التصريحات الرئاسية هي عمومية ولا يمكن البناء عليها لأنها ضمن اطار مفهوم في العلاقات الدولية وهو التركيز على الأسس التي لا خلاف عليها ومنها منع ايران من امتلاك أسلحة نووية وضرورة تغيير سلوكها في المنطقة، ولهذا يفترض أن ننتظر لحين تجلي الموقف الأمريكي بدرجة أكثر.

وفي السادس من شباط/ فبراير 2021 نشرت قناة الحرة الأمريكية تقريرا عن خطاب الرئيس بايدن الأول بخصوص السياسة الخارجية، وأكدت أن تجاهل الرئيس بايدن، ملف إيران النووي، واتفاقات السلام الإسرائيلية - العربية، والصراع الإسرائيلي الفلسطيني، في خطابه بخصوص السياسة الخارجية الأميركية، قد لفت انتباه عدداً من المراقبين وقد اكتفى خلال خطابه، بذكر عدد من القضايا الخارجية، مثل الحرب في اليمن، وانقلاب ميانمار، وتحديات الولايات المتحدة فيما يخص الملف الروسي والصيني، وسياسة الولايات المتحدة تجاه اللاجئين.

وفي يوم السابع من شباط/ فبراير قال الرئيس الأميركي جو بايدن إن الولايات المتحدة لن ترفع العقوبات التي تفرضها على إيران، وذلك لحمل طهران على العودة إلى طاولة التفاوض لبحث سبل إحياء الاتفاق النووي، في حين تصر إيران على أنها لن تعود لالتزاماتها ما لم ترفع عنها العقوبات.

وردا على سؤال عما إذا كانت واشنطن سترفع العقوبات أولا لجعل إيران تعود إلى طاولة التفاوض، أجاب بايدن في مقطع فيديو نشرته قناة "سي بي إس" (CBS) الأميركية بالنفي.

ورغم هذه التصريحات التي ربما يراها البعض بأنها في ذات الإطار الذي سار عليه الرئيس السابق دونالد ترامب فإنني أتصور أن سياسة بايدن ستكون على ذات السكة الأوبامية، وهي سياسة التهدئة البعيدة عن طبول الحرب، والساعية لتفعيل الاتفاق مع طهران مع ضمان مصالح واشنطن في المنطقة.

وربما يمكن القول إن الواقع يؤكد هذه الفرضية، وخلو لغة بايدن من (أسلوب الكاوبوي) الذي انتهجه، الرئيس دونالد ترامب، وأيضاً الترتيب الدبلوماسي المطمئن لإيران حيث عين الرئيس الأمريكي جو بايدن قبل أسبوعين الدبلوماسي المخضرم وخبير شؤون الشرق الأوسط روبرت مالي مندوبا له للشؤون الإيرانية، وهو مصري المولد حلبي المنشأ، ويهودي الديانة، وهو يتحدث العربية وليس بعيدا عن الملف الإيراني؛ لأنه قاد الجانب الأمريكي من موقعه مستشارا دبلوماسيا للرئيس الأسبق باراك أوباما، في المفاوضات التي أدت إلى الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني عام 2015.

وهذه رسالة مبطنة لإيران أن الاتفاق يمكن تفعليه ضمن ترتيب ما لم يظهر للعلن حتى الساعة.

ويوم الجمعة 19/2/2021 نقلت قناة الحرة الأمريكية عن مجلة "بوليتكو" قولها إن هناك "الكثير من الآراء المختلفة" داخل الإدارة الأميركية الجديدة، بشأن عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي الإيراني، وفقا لأحد الأشخاص المطلعين على المناقشات.

وأشارت المجلة الأميركية إلى أن محور النقاشات داخل الإدارة الأميركية يتمثل في العودة إلى الاتفاق الأصلي أو السعي إلى صفقة أكبر تشمل قيودا على برنامج الصواريخ البالستية الإيراني.

في حين كشف مسؤول آخر في الخارجية أن واشنطن قدمت رسالة إلى مجلس الأمن للتراجع عن القرار الذي اتخذته الإدارة السابقة بإعادة فرض العقوبات الدولية على إيران (سناب باك)، وأن مثل هذا الحوار يهدف إلى استطلاع إمكانيات العودة إلى خطة العمل المشتركة الشاملة ومناقشة القضايا العالقة مع إيران ومن بينها استطلاع ما إذا كان يمكننا التوصل إلى وضع تعود فيه إيران إلى الالتزام بخطة العمل المشتركة وعودة أميركا إلى الاتفاق واستخدام ذلك كمنصة للتفاوض على اتفاق أطول وأقوى والتعامل مع عدة مخاوف أمنية إقليمية.

كل الدلائل تشير إلى قرب المباحثات حول العديد من الملفات العالقة بين طهران وواشنطن، وهذا يعني أن الكثير من قواعد اللعبة في المنطقة ستتغير، بدليل أن إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أكدت أنها لا تطرح أي شروط مسبقة لبحث موضوع عودة الولايات المتحدة وإيران إلى الامتثال للاتفاق النووي خلال اجتماع في إطار مجموعة "5+1"، وهنا نقول قد تكون هذه الخطوات الأمريكية هي مكاسب مهمة لإيران، وهذا الغزل الأمريكي ربما سيخدمها في أوراقها الفاعلة وبالذات في العراق وسوريا واليمن،

ومقابل هذا الغزل فقد دعا الرئيس بايدن في كلمة له الجمعة أمام مؤتمر ميونيخ للأمن، المنعقد عبر الإنترنت يوم الجمعة 19/2/2021، إلى ضرورة التصدي لتصرفات إيران المزعزعة للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

ومن هنا ربما ستحاول واشنطن دغدغة مشاعر إيران برفع بعض العقوبات عنها، لدفعها للالتزام بالاتفاق النووي، وربما ستكون عبر بعض الجوانب الإنسانية وبالذات مع استمرار تفشي كوفيد – 19 في العالم، وكل ذلك ربما لتكون بداية لمرحلة جديدة بين البلدين.

في كل التقديرات مرحلة الرئيس بايدن ليست مرحلة دونالد ترامب وإيران اليوم في موقف أفضل وربما ستجني الكثير على حساب دول المنطقة!

نترقب ولا نملك غير الترقب!

 



[1] مركز راسام للدراسات// تاريخ النشر: 24/2/2021.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

السفارة البريطانيّة ببغداد... ودبلوماسيّة (الأكلات العراقيّة)!

العيد وسياسات التغريب عن الأوطان!