استقرار ديالى![1]

يبدو أن قدر أهالي مدينة ديالى أن تستمر معاناتهم في داخل العراق وخارجه، وكما يبدو أن هذه المدينة حتى اليوم هي المدينة العراقية الوحيدة التي لم تنته المشاكل فيها قياسا بجميع المدن الأخرى في شمال وغرب وشرق العراق.

ولعل الموقع الجغرافي لمحافظة ديالى يعد من أكبر أسباب عدم استقرار هذه المحافظة التي تمثل قبل العام 2003 النموذج الأروع للتعايش المذهبي والقومي والديني بين العراقيين، ولكن هذه المعادلة قد تغيرت بعد ذلك لتصبح ديالى مدينة الرعب والخوف والتهجير والاختطاف والاغتيالات والضياع.

تعاني ديالى من جملة من المشاكل السياسية والأمنية والخدمية، وذلك لعدم وجود التوافق السياسي وغياب التوازن في مؤسسات المحافظة الأمنية والمدنية، وغياب الشفافية في عمل دائرة المحافظة، وعجز غالبية الأجهزة الأمنية عن بسط نفوذها في ربوع المحافظة.

وسبق للناطق باسم قيادة العمليات المشتركة اللواء تحسين الخفاجي أن علق، بداية كانون الثاني/ نوفمبر على الوضع الأمني الخاص بمحافظة ديالى، وأكد أن السبب وراء خطورة محافظة ديالى يعود للمشاكل العشائرية التي يستغلها تنظيم داعش، وأن القيادات الأمنية تسعى لمعالجة هذا الأمر عبر الانتشار الأمني المكثف والمتابعة المستمرة وفرض سلطة القانون.

وهذا الكلام فيه جانب ضئيل من الصحة، والجانب الأكبر والأصعب هو تجاهل تغول المليشيات في عموم المحافظة، وسيطرتها على القرارات السياسية والأمنية والخدمية وغيرها!

الحوادث المركبة في ديالى وفي مقدمتها الاغتيالات والتهجير هي جزء من منابع الخوف والترهيب في المحافظة، وآخر هذه الجرائم حادثة التهجير التي وقعت
في المقدادية بعد الهجوم المفتعل أو المدبر أو المنسق على قرية الإمام وعدة قرى أخرى في نهاية شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2021، وخلف عشرات القتلى والجرحى ومئات المهجرين!

وفي هذا الباب ذكر قائم مقام بعقوبة عبد الله الحيالي أن عدد الأسر النازحة الى بعقوبة بعد أزمة المقدادية الأخيرة بلغ ٣٣٠ أسرة وأن وضعهم مزري للغاية!

وحادثة المقدادية ليست الأولى، وفي ظل هذه الأوضاع غير الصحية لا يمكن تصور أن تكون الأخيرة!

وفي محاولة لترطيب الأجواء في المحافظة أعلنت مديرية شؤون العشائر في ديالى منتصف كانون الأول/ ديسمبر التوافق على خمس قضايا هامة في المشهد الأمني العام داخل المحافظة، ومن بينها إنهاء ملف المتخاصمين الذي يعيق عودة النازحين والمهجرين في كل ديالى، وحصر السلاح بيد الدولة، وتجريم الدكة العشائرية والمتاجرين بالمخدرات!

وهذه القضايا توافق عليها أكثر من 100 شخصية عشائرية في المحافظة لكن هل هذا هو الاجتماع الأول؟

عقدت في ديالى العديد من المؤتمرات العشائرية لهذا الغرض الذي يبدو لا يمكن التوافق عليه بسهولة، وفي الثامن من تشرين الثاني/ نوفمبر عقدت مديرية شؤون عشائر ديالى مؤتمراً عشائرياً موسعاً في مناطق شمال المقداديـة وبدعـم مـن مديرية شؤون عشائر العراق شاركت به معظم عشائر المحافظة لوأد الفتنة واحتواء الأزمة في قضاء المقدادية.

وقد أكد مدير شؤون عشائر ديالى علي العلي الربيعي أن (جهـود مديرية شـؤون عشائـر ديالـى، وأغلب شيوخ العشائر العربية الأصيلة في المحافظة، تكللت بالنجاح بعقد أكبر مؤتمر عشائري في شمال المقدادية، لاحتواء مـا خربه المتطرفين وخطط له من أحداث تخريبية لزعزعة الأمن في المحافظة وتفتيت النسيج المجتمعي).

ولا ندري أين هي مظاهر النجاح التي تحدث عنها مدير شؤون عشائر ديالى؟

تأتي هذه التصريحات في الوقت الذي تستمر فيه معاناة 330 أسرة مهجرة من أهالي المقدادية أضيفت لآلاف العوائل المهجرة في السابق، والتي لم تتمكن من العودة لمنازلها، وغالبية المهجرين من المقدادية هم من النساء والأطفال!


الملاحظ أن أوضاع غالبية المهجرين من قرية الإمام وما حولها لم ترتب، وكل ما في الأمر أن الحكومة وزعت لهم مليون دينار عراقي (700) دولار فقط، وتركتهم في مهب الريح يواجهون مصيرهم الجديد بعد أن فقدوا بعض أحابهم ودمرت غالبية ممتلكاتهم!
وعلى الرغم من هذه المؤتمرات الشكلية والإعلامية يرفض أهالي هذه القرى العودة إلى منازلهم خوفا من تكرار المأساة مرة ثانية عليهم!

إن الحل الأمثل لاستقرار الأمن في ديالى يتمثل بالخطوات الآتية:

-       نشر المزيد من القوات الأمنية في عموم المحافظة وعدم السماح للقوى غير الرسمية التحرك في المحافظة.

-       حصر السلاح بيد الأجهزة الأمنية وتجريد المليشيات من كافة الأسلحة التي تمتلكها بما فيها الأسلحة الخفيفة، وترك قطعة سلاح واحدة فقط في كل بيت.

-       فتح تحقيق شامل في الحوادث المختلفة وتقديم القتلة والأشرار إلى محاكمة عادلة.

-       تقديم ضمانات حقيقية بحضور بعثة الأمم المتحدة (يونامي) للأهالي بعدم تكرار الاعتداء عليهم، وتحميل الحكومة المحلية مسؤولية أي خروقات مستقبلية.

-       تعويض جميع المهجرين والمتضررين تعويضا مجزيا، وإعادتهم إلى وظائفهم واعتبار سنوات التهجير خدمة لأغراض العلاوة والتقاعد.

هذه الخطوات وغيرها يمكن أن تطبق، ليس في ديالى وحدها، وإنما في عموم مدن التهجير، الموصل، والأنبار وصلاح الدين وغيرها، وهي بحاجة إلى إرادة صادقة ورغبة حقيقية لنشر الأمان والسلام في البلاد!

فمن سينفذ هذه الخطوات الضرورية لبناء واستقرار ديالى من جديد؟



[1] مركز راسام للدراسات// تاريخ التشر: 28/12/2021.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

السفارة البريطانيّة ببغداد... ودبلوماسيّة (الأكلات العراقيّة)!

العيد وسياسات التغريب عن الأوطان!