تهريب النفط والعوائل من سوريا إلى العراق![1]

 التهريب وسيلة من وسائل نقل البضائع والأشخاص بطريقة غير رسمية، وغير شرعية، يقوم بها مجموعة من المُهربين للاستفادة المادية من خلال التبادل التجاري المتنوع مع مُهربين آخرين في ما وراء الحدود!

ويبدو اليوم أن التهريب قد تطور بشكل مقلوب لتمارسه بعض الدول عبر عمليات تهريب من دول ضعيفة لدول أخرى، وهذا نكوص غريب في المعاملات الدولية، ولا يمكن أن يكون إلا في مراحل الحروب، وهشاشة الطرف (المنهوب، أو المسروق، أو المهرب منه)!

تعدّ الحدود العراقية - السورية من أضعف الحدود الدولية العراقية، ومنذ أكثر من ثلاث سنوات يتمّ عبرها أخطر جرائم تهريب النفط والبضائع والأشخاص والأموال والآثار من وإلى العراق وربما عبره لدول أخرى!

وفي منتصف كانون الأول/ ديسمبر 2020 بحث مستشار الأمن القومي العراقي، قاسم الأعرجي، مع السفير الروسي في بغداد، ماكسيم ماكسيموف، عدة ملفات أمنية، وفي مقدمتها ملف الحدود العراقية - السورية، وأهمية العمل على تبادل المعلومات لتأمين الحدود العراقية، ومنع تسلل الإرهابيين، إضافة إلى التعاون المشترك في مجال مكافحة الإرهاب.

والحدود السورية مع العراق مُسيطر عليها من عشرات الميليشيات المؤيدة لنظام الأسد، وبالمقابل هنالك فصائل الحشد الشعبي، وبعض الوحدات العسكرية المحلية والمركزية تتحكم بالجانب العراقي!

يتمثل التهريب الدولي بتهريب النفط السوري إلى العراق ثم إلى منافذ خارجية متعددة.

وهذه العمليات واضحة جداً لدرجة أن الإعلام الرسمي التابع للنظام السوري قد ذكر في الثالث عشر من كانون الأول/ ديسمبر 2020 " أن رتلاً من 85 آلية عسكرية وصهريجاً محملة بالنفط السوري المسروق والعتاد العسكري توجه اليوم من ريف الحسكة إلى العراق عبر معبر الوليد غير الشرعي، وأن 16 مدرعة أمريكية رافقت الرتل إلى الحدود العراقية، وأن القوات الأمريكية أخرجت عشرات الأرتال المحملة بالنفط السوري المسروق من ريف الحسكة إلى الأراضي العراقية على مدى الأشهر الأخيرة"!

الاتهامات السورية لواشنطن ليست جديدة، وقد سبق للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أن صادق أواخر تشرين الأول/ أكتوبر 2019 على خطة لسحب قوات بلاده المنتشرة سابقاً في سوريا، إلا أنه قرر لاحقاً الإبقاء على نحو 1000 عسكري لضمان السيطرة الأمريكية على حقول النفط التي تمّ الاستيلاء عليها شمال شرق سوريا!

وهو ما دفع وزارة الدفاع الروسية الحليف القوي لنظام الأسد في 26/10/2019 إلى اتهام الولايات المتحدة" بنهب نفط سوريا، وأن  ما تفعله واشنطن حالياً من وضع اليد والسيطرة على حقول النفط شرق سوريا، يدل بكل بساطة على عقلية اللصوصية على مستوى عالمي"! وكأن مشكلة سوريا تتمثل في تهريب النفط، مع تغاضي الروس عن القتل والخراب الذي سببه النظام لسوريا وأهلها بمشاركتهم ومباركتهم!

وفي شباط/ فبراير 2018، هاجمت مجاميع مسلحة روسية وقوات موالية للأسد حقلاً نفطياً تسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، بالقرب من دير الزور، وقد تصدت قوات البحرية الأمريكية للهجوم وقتلت ما لا يقل عن  300 عسكرياً من القوات المهاجمة في رسالة واضحة بأن أمريكا هي المسيطر الفعلي على خيرات تلك المناطق!

وفي الثالث من كانون الأول/ ديسمبر 2019 أكد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أن " الولايات المتحدة وضعت النفط في سوريا تحت سيطرتها، وبات بمقدورها التصرف به كما تشاء، ولقد حاول داعش حفظ سيطرته على النفط، أما الآن فأصبحنا نحن الذين نسيطر عليه بشكل كامل"!

وفي مقال للسفير الأميركي الأسبق في دمشق روبرت فورد نشر في صحيفة الشرق الأوسط اللندنية في الرابع عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 بعنوان: (السبب الحقيقي لسيطرة أميركا على النفط السوري)، أكد فيه أن" السيطرة الأميركية على حقول النفط ستوفر أموالاً لـ«قوات سوريا الديمقراطية» كي تتمكن من دفع رواتب جنودها، وإعالة مراكز الاحتجاز التي يوجد بها آلاف من سجناء «داعش» وأسرهم. من ناحيته، لا يرغب الرئيس دونالد ترمب في تحمل تكاليف الحرب في شرق سوريا، ولا يرغب العسكريون والدبلوماسيون الأميركيون في الرحيل عن سوريا. وخلصوا في النهاية إلى إبقاء واشنطن سيطرتها على الحقول النفطية، بحيث لا تضطر إلى تحمل تكاليف «قوات سوريا الديمقراطية» بنفسها. بذلك، يتضح أن العائدات النفطية لن تذهب إلى خزينة واشنطن، وإنما إلى مظلوم عبدي ومقاتلي «قوات سوريا الديمقراطية» التابعين له، والذين تقودهم «وحدات حماية الشعب» الكردية السورية"!

وفي العاشر من تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 أدرجت واشنطن  مسؤولين عسكريين سوريين وشركات نفط سورية على القائمة السوداء بتهمة دعم إنتاج النفط السوري أبرزهم شركتا الصناعة النفطية "آرفدا بتروليوم برايفت جوينت ستوك كومباني" و"ساليزار شيبينغ" اللتان مقرهما في لبنان وسوريا إضافة إلى المسؤولين عنهما!

وسبق لوكالة الأناضول التركية أن ذكرت نهاية العام 2019 أن بيانات موقع "بريتش بتروليوم" للنفط تشير إلى أن " إنتاج النفط في سوريا، بلغ 406 ألف برميل في عام 2008، وانخفض عام 2009 ليصبح 401 آلاف برميل يومياً، ثم أصبح 385 ألف برميل في عام 2010، و353 ألف برميل في عام 2011، و171 ألف برميل في عام 2012، و59 ألف برميل في عام 2013، و33 ألف برميل في عام 2014، ثم 27 ألف برميل في عام 2015، و25 ألف برميل في عامي 2016 و2017، و24 ألف برميل في عام 2018".

ويعتبر حقل السويدية بمحافظة الحسكة الحقل السوري الأكبر بطاقة إنتاجية 116 ألف برميل يومياً، يليه حقل الرميلان بالحسكة 90 ألف برميل يومياً، ثم حقل العمر بدير الزور 80 الف برميل يومياً، فحقل التيم والورد بدير الزور 50 ألف برميل يومياً لكل من هما".

وبالتزامن مع تهريب النفط تستمر محاولات لتهريب عائلات عراقية من سوريا، غالبيتهم من عوائل تنظيم "داعش"، وهؤلاء يخافون من الملاحقة القانونية، وهم في الغالب العام مرفوضون من أهالي المناطق التي يحاولون العودة إليها!

وفي الحادي عشر من كانون الأول/ ديسمبر 2020 أعلن العراق، " إحباط عملية تهريب عوائل من سوريا إلى داخل أراضيه، وتمّ ضبط عجلتين تحملان عوائل مهربة، وبعد التحقيق الميداني معهم تبين بأنهم عبروا الحدود بصورة غير شرعية، وتمّ اتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم"!

إن تنامي التهريب الدولي والمحلي بين سوريا والعراق يؤكد عدة حقائق منها أن الأراضي السورية مسيطر عليها من قوى دولية كبرى وفي مقدمتها أمريكا وروسيا، وأن النظام السوري يدعي السيطرة على الحدود مع العراق، والحقيقة أنه فاقد لكل صور التحكم، وبالمقابل حكومة بغداد لا تسيطر على غالبية ما يجري بين البلدين من عمليات تهريب مستمرة ليلا ونهاراً عبر الجماعات المليشياوية المتواجدة على الجانبين، والتي لا تعترض أي قوات أجنبية تعبر الحدود الدولية بين كلا البلدين!

هذه الوقائع تؤكد أن الدول الضعيفة تكون أراضيها ملعباً للتناحر والتلاعب الأجنبي والمليشياوي، بينما تبرز قوة حكوماتها على المواطنين المغلوبين على أمرهم!

متى يتعلم هؤلاء (الساسة) قيمة الحفاظ على سيادة الدولة؟

 



[1] مركز أورسام  تاريخ النشر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

السفارة البريطانيّة ببغداد... ودبلوماسيّة (الأكلات العراقيّة)!

العيد وسياسات التغريب عن الأوطان!