مرتكزات السياسة الأمريكية نحو العراق[1]

  يعد العراق من البلدان المهمة في الشرق الأوسط ورغم الظروف غير الصحية التي يمر بها منذ العام 2003، فلا يمكن تجاهل أهميته، ودوره المحوري والحيوي، ولهذا سيبقى العراق من الدول الفاعلة في المنظومتين الإقليمية والدولية!

أهمية العراق تأتي من عدة جوانب جيوسياسية واقتصادية وغيرها ولهذا لا يمكن تصور سياسة دولية في الشرق الأوسط بعيدا عن المحور العراقي!

الاهتمام بالحالة العراقية ما زال هو ديدن العديد من المنظمات والشخصيات السياسية والثقافية من العراقيين وغيرهم.

ومن هذا المنطلق تمت دعوتي للمشاركة في ندوة دولية حول {مستقبل العراق في ظل الصراع الأمريكي الإيراني} يوم السبت 19 يونيو/ حزيران 2021.

الندوة نظمتها المنظمة الأوروبية العربية للتبادل الثقافي البلجيكية بالتعاون مع الأكاديمية الأوروبية العربية للدراسات والتدريب البلجيكية وشبكة سفراء الجودة والتميز البريطانية/ رحلة تعلم من المملكة المتحدة، وجمعية تواصل للمجتمع العراقي في المملكة المتحدة.

وشارك في الندوة العديد من الباحثين والسياسيين من داخل العراق وخارجه، وبعض الأشقاء من الدول العربية.

وقد كلفت بالحديث عن مرتكزات السياسة الأمريكية في العراق.

ومؤكد أن المقصود هو عموم مرتكزات السياسة الأمريكية في العراق، ولهذا تحدثت عن هذا الملف في المرحلة السابقة للاحتلال وحتى يومنا الحاضر.

وحتى لا نطيل الكلام على القارئ الكريم سندخل مباشرة في صميم الموضوع.

السؤال الأبرز في المحور: ما هي مركزات السياسة الأمريكية في العراق؟

سنحاول تحديد تلك المرتكزات من كلام الساسة الأمريكيين وكذلك من خلال الواقع الذي فرضته القوات الأمريكية.

في نهاية آذار/ مارس 2021 أكد ماثيو تولر السفير الأميركي في العراق خلال الندوة الفصلية التي نظمها معهد الولايات المتحدة للسلام، ومقره واشنطن، إن لدى إدارة الرئيس الجديد، جو بايدن أربع أولويات في بلاد الرافدين، وهذه الأولويات تشمل:

-      محاربة تنظيم داعش.

-      مساعدة الحكومة العراقية في محاربة الفساد ومواجهة الأوضاع الاقتصادية الصعبة.

-      تحديات فيروس كورونا.

-      أزمة التغير المناخي.

 

وفي ذات الندوة بين السفير الأمريكي أن الإدارات الأميركية تتغير دورياً كل أربع أو ثمانية أعوام، لكن التحديات التي تواجه المصالح والأمن القومي الأميركي تبقى مستمرة.

وكل إدارة تتعامل مع الثوابت حسب رؤية وطريقة تعامل مختلفة.

ومع أهمية ما حدده السفير الأمريكي سنحاول الكلام عن أهم مرتكزات السياسة الأمريكية في العراق قبل مرحلة الاحتلال الأمريكي للعراق، وما بعد العام 2003:

 

-       أنواع مرتكزات السياسة الأمريكية في العراق

آثرت تقسيم تلك المرتكزات إلى:

-      مرتكزات ظاهرة

-      مرتكزات خفية.

 

أولا: المرتكزات الظاهرة: وتشمل المرتكزات والأهداف والحجج الآتية، وغالبها في مرحلة ما قبل الاحتلال الأمريكي للعراق:

1.             وقف التهديدات التي تمثلها أسلحة التدمير الشامل العراقية وضمان تنفيذ قرارات مجلس الأمن"، ولهذا أقر الكونغرس الأميركي القرار 107/243 لسنة 2002.

2.             ادّعاء امتلاك العراق لخزين هائل من أسلحة التدمير الشامل، والقدرة على تهديد أمن الولايات المتحدة!

3.             التحالف العراقي مع الإرهاب وتمويل تنظيم القاعدة وبقية المجموعات الإرهابية وتزويدها بأسلحة التدمير الشامل

4.             انتهاك العراق لقرارات مجلس الأمن.

5.             اضطهاد الشعب العراقي.

6.             إيواء العراق لأعضاء تنظيم القاعدة الذين نفذوا هجمات الحادي عشر من سبتمبر

7.             السعي لكف تغول النظام السابق في داخل العراق وخارجه.

8.             بناء عراق جديد ونشر الديمقراطية في العراق.

 

-       بطلان حجج احتلال العراق

ومعلوم أن هذه الادعاءات في الغالب العام ليست صحيحة، وأن واشنطن بنفسها أكدت خلو العراق من أسلحة دمار شامل وبرأت العراق من بعض التهم التي بنت عليها الدعوة لضرب العراق وتدميره ووصوله لهذه الحالة القائمة اليوم.

وحينما لم يعثروا على أي أثر "للجمرة الخبيثة" وللأسلحة النووية التي أطال وزير الخارجية كولن باول أمام مجلس الأمن قبل أسابيع من الغزو في سرد تفاصيلها، وعرض الصور والأدلة بشأنها، اكتفوا بالقول إنهم في كل الأحوال ذهبوا للعراق بأكثر من 300 ألف مقاتل وذلك لنشر الديمقراطية في ربوعه.

إن الجيوش الأمريكية ومن تحالف معها تمكنت عبر أسلحتهم الفتاكة بما في ذلك ذخائر اليورانيوم المنضب بعد 43 يوما من السيطرة على العراق وتدمير مقدراته وبنيته التحتية، وقد ترك العراق في حالة اللادولة وكان أرضية مناسبة لكل أنواع الخراب والإرهاب والضياع!

هذا التحرير المزعوم: نتج عنه مقتل 654 ألف عراقي، ويوصف مقتل 600 ألف منهم بأنها ناجمة عن أعمال عنف وفق دراسة قامت بها جامعة جونز هوبكنز الأمريكية.

وفي عام 2007 أجرت شركة استطلاع بريطانية تدعى "Opinion Research Business" دراسة خاصة بهذا الشأن، توصلت فيها إلى مقتل مليون و33 ألف عراقي حتى ذلك الوقت، فيما رجحت مصادر أخرى لاحقا مقتل مليونين وأربعمئة ألف عراقي خلال سنوات الغزو وأعمال العنف المختلفة التي تولدت عنه.

 

-       أعداد المعوقين في العراق

وفي بداية العام 2021 كشفت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية عــــن وجود نحو أربعة ملايين معاق في عموم البلاد بحسب الإحصائية الأخيرة، بينما أشارت الى انهم فئة كبيرة وهشة تحتــــاج الى رعاية ودعم مســــتمرين من قبل الحكومة.

-       خسائر إضافية:

وسبق لوزارة التخدطدي العراقية أن ذكرت بداية العام 2017 أعلنت وزارة التخطيط العراقية، اليوم الإثنين، أن أعداد الأرامل والمطلقات في عموم البلاد بلغ مليون و938 ألفاً، حسب نتائج مسح قامت به الوزارة خلال عام 2016.

فكم هي أعدادهن اليوم؟

وفي السابع من أيلول 2019 قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونسيف" ان عدد الأطفال الأيتام في العراق يقدر بخمسة ملايين طفل من مجموع نحو 140 مليون يتيم في العالم!

وتشير نتائج أول إحصاء علمي للأمراض النفسية في العراق أجري عام 2006، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، إلى أن نسبة الأمراض النفسية في العراق تطال 18.6 في المئة من السكان، ما يعني أن عدد العراقيين المصابين بالأمراض النفسية هو 6 ملايين فرد، في حال كان عدد سكّان العراق 32 مليون نسمة.

فضلا عن ملايين المهجرين في الداخل والخارج!

وللحديث عن مرتكزات السياسة الأمريكية في العراق بقية.

ثانياً: المرتكزات الخفية

ويمكن تقسيمها على النحو العام الآتي:

أ‌.      دينية عقائدية: ومنها حماية إسرائيل والتواجد في منطقة حيوية في الشرق الأوسط، مع ضمان نهاية تهديد النظام العراقي السابق للكيان الصهيوني!

ولا ننسى هنا مقولة بوش الابن الخالدة بعد انتهاء العمليات العسكرية لاحتلال العراق: إن الرب أمرني باحتلال العراق!

ومعلوم أن الولايات المتحدة الأمريكية تعد من أهم الدول الداعمة لإسرائيل والمؤيدة في نفس الوقت لقيام دولة فلسطين، فبالنسبة لواشنطن وتل أبيب يعد حلّ الدولتين وتطبيع الدول العربية مع إسرائيل هما مطلبان مترابطان لا ثالث لهما، وقد دفع فشل بعض الرؤساء الأمريكيين السابقين لإيجاد حلّ للنزاع عبر سياسة غريبة انتهجها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وهي سياسة قائمة على نهج أكثر جرأة وواقعية حيث عمل على دفع بعض الدول العربية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل كخطوة أولى في مسلسل حلّ الدولتين.

والآن معلوم أن الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن من كبار الداعمين لإسرائيل، وعندما كان نائبا للرئيس باراك أوباما، نجح في إبرام في إبرام الاتفاق العسكري بين الولايات المتحدة وإسرائيل!

 

ب‌.    استراتيجية: لم يكن في العراق قبل العام 2003 أي دور أمريكي فاعل، ولهذا كانت الخطة غير المعلنة هي ضمان موطئ قدم أمريكي في منطقة حيوية من الخليج العربي والشرق الواسط، والنتيجة، بعد الاحتلال، وجود آلاف العسكر والعديد من القواعد المحصنة في بغداد والغرب والجنوب والشمال، وهذه تضمن التواجد الأمريكي، والتحكم بنقطة قوة مهمة بيد الأمريكان، وبالذات مع تنامي التحركات الصينية والروسية في المنطقة.

 

-      التشجيع والتمهيد عبر منطق القوة لسياسة التطبيع مع إسرائيل بعد تغييب العراق.

- ترتيب سياسة الإقرار بالتواجد الإيراني في العراق، أو بعبارة أدق التخادم الإيراني الأمريكي في العراق، والذي ربما جعل كل منهما المتحكم الأبرز في العراق، وكأن العراق قدم على طبق من ذهب لإيران.

- استمرار سياسة عدم الوضوح أو التناقض في التعامل مع إيران في الميدان العراقي، فمن باب تدعي سعيها لتقليص التدخل الإيراني، ومن باب آخر تتعاون مع القوى السياسية القريبة من إيران.

 

- دوام سياسة التغافل عن المليشيات، وتركها تعبث بأمن العراق وكأنه جزء من سياسة الفوضى المدروسة والهادفة لسحق الوطن والمواطن العراقي.

 

- تشجيع مفهوم سياسة دولة اللادولة في العراق، وترك العراق في حالة ضياع، وفي ذات الوقت تستمر في دعم العملية السياسية التي لم تثمر في الغالب العام عن بناء دولة مدنية أو دولة الحقوق أو دولة المواطنة أو لم تؤسس لديمقراطية حقيقية في العراق.

-      تجاهل التزوير في الانتخابات:

وفي نهاية أيار 2019 أعلن الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق يان كوبيتش، رصد عمليات "تزوير وترهيب" من مجموعات مسلحة في الانتخابات البرلمانية التي جرت 12 مايو/ أيار الجاري.

هذه السياسات المقصودة قادت إلى جملة من الكوارث منها:

-      تنامي ظاهرة الطلاق: وبهذا الباب أكد المرصد الحريات للدفاع عن المرأة المعنفة ارتفاع معدلات الطلاق في البلاد منذ عام 2004 إلى مليون حالة بحلول 2020، “نظراً لارتفاعها المستمر.

 

-      تخريب المعامل والمصانع: تشير الأرقام الرسمية إلى وجود قرابة 30 ألف منشأة حكومية تحتاج إلى إعادة تحديث بالكامل وأغلبها تم تدميره خلال الحرب ومعظمها في محافظات كانت معرضة لهجمات المتطرفين وخاصة في نينوى.

-      ضياع التعليم: سبق للجنة التربية البرلمانية في مجلس النواب العراقي أن أعلنت عن حاجة العراق الى 12 ألف مدرسة، وأكدت تشكيل لجان تحقيقية مـع الـشـركـات الوهمية التي أنيطت لها مهمة بناء وترميم المدارس والوسطاء الذين جاؤوا بها للتعاقد مع الوزارات المعنية.

-      تدمير المنازل: تقارير وتقديرات ميدانية أكدت أن ما بين 120 إلى 180 ألف وحدة سكنية دمرت بالكامل في مدن بعض المحافظات في الموصل وكركوك وتكريت وديالى (شمال)، والأنبار (غرب)، وحزام بغداد، نتيجة العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش.

-      نهب المليارات: في آذار 2021 أكد الرئيس العراقي برهم صالح، اليوم الأحد، أن مشروع قانون استرداد عائدات الفساد يتضمن إجراءات عملية استباقية رادعة، مشيرا إلى أن العراق خسر ألف مليار دولار منذ 2003 بسبب الفساد، ومنها 150 مليار هربت للخارج

-      الحشد والمليشيات

تعد مرحلة تشكيل ميليشيات الحشد الشعبي في 13 يونيو 2014 التطور الأكثر خطورة الذي ظهر على الساحة العراقية في هذا الإطار العسكري الميليشياوي، بعد فتوى «الجهاد الكفائي» التي أطلقها المرجع الشيعي علي السيستاني، بحجة محاربة تنظيم داعش في الموصل.

 

واستغلت غالبية الفصائل المسلحة والأحزاب الشيعية «الحشد الشعبي» كمؤسسة عليا ينضوي الجميع فيها، وأنها تمثل توجهًا شيعيًا مسلحًا.

وقبل ثلاثة أسابيع قال فالح الفياض رئيس هيئة الحشد إن:

كل دولة تطلق على الحشد الشعبي "مليشيا، قوات خارجة على القانون"، لن يكون للعراق معها اي تفاهمات بكل المجالات!

وهذا تدخل واضح في السلطات التنفيذية للحكومة!

-       الاعدامات: تستمر في العراق خطط تنفيذ عقوبة الإعدام، وهي عقوبات بعيدة عن روح القانون لأنها في الغالب انتقامية وليست عدلية!

فضلا عن  خراب المؤسسات الإصلاحية وغير ذلك من الصور البشعة التي مليء بها العراق بعد العام 2003.

- وأخيرا وبعد خراب البصرة نجد أن واشنطن تقر بالعملية السياسية وكأنها عملية سياسية ناضجة وصحية، وتتغاضى عن المظاهرات الشعبية التي عمت العراق منذ نهاية العام 2011 وحتى اليوم، وكل ذلك على حساب أرواح العراقيين وحرياتهم وكرامتهم وحتى انتمائهم للعراق!

العملية السياسية في العراق كانت نتيجة لمجموعة أكاذيب، والقاعدة القانونية العقلية الشرعية تقول، ما بني على باطل فهو باطل!

خلاصة الكلام وبعيدا عم المرتكزات الخفية والظاهرة أتصور أن أمريكا مسؤولة مسؤولية أخلاقية وقانونية عن كل ما جرى ويجري في العراق منذ العام 2003 وحتى اليوم، وهي التي يفترض عليها مساعدة العراقيين للخلاص من الحالة السلبية القائمة.



[1] مركز راسام للدراسات الاستراتيجية// 15/ تموز/ يوليو 2021.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

السفارة البريطانيّة ببغداد... ودبلوماسيّة (الأكلات العراقيّة)!

العيد وسياسات التغريب عن الأوطان!