العراق: الفتنة تطل برأسها من جديد![1]

فتنة جديدة أطلت برأسها في العراق، ومرة أخرى تكون حكاية الطائفية والتهجير والقتل والنهب في محافظة ديالى 57 كلم شمال شرق العاصمة العراقية بغداد!

تمتاز ديالى ومركزها مدينة بعقوبة بالتنوع السكاني، ففيها العربي والكردي والسني والشيعي والصابئي والمسيحي، وكانوا يعيشون حتى مرحلة الاحتلال الأمريكي بأبهى صور المحبة والتلاحم والتكاتف!

وبعد أن أطلت الفتنة برأسها بعد العام 2003، وقعت ديالى، كحال بقية مدن العراق، ضحية لقوى الخراب والكراهية والتدمير، وبدأت مؤامرات القتل والتهجير والتغيير الديموغرافي!

وتكمن أهمية ديالى في كونها المدينة الأقرب إلى العاصمة العراقية، وهي من حلقات الوصل المباشرة ما بين العراق وإيران، ومَنْ يسيطر عليها يسيطر على بغداد ويؤمّن مصالح إيران في عموم الجبهة الشرقية!

عانت ديالى على مرور السنوات الماضية من جرائم داعشية ومليشياوية متداخلة، وكان ضحاياها من الأبرياء.

ومن أبرز جرائم المليشيات التفجير الذي استهدف المصلين بجامع سارية وسط مدينة بعقوبة منتصف آذار/ مارس 2013، وأوقع أكثر من 50 شهيدا وعشرات الجرحى!

وقد تعرض الكثير من علماء المدينة للقتل ومساجدها للحرق، ومن ذلك حرق المليشيات لأكثر من تسعة مساجد في مدينة المقدادية الواقعة على بعد 100 كلم شمال شرق بغداد، وذلك في بداية العام 2016!

فضلاً عن قتل المئات من العلماء والأساتذة والضباط وغيرهم من الكفاءات.

هذه الحوادث الإرهابية والاغتيالات المنظمة، والاعتقالات العشوائية، وعمليات التهجير العلنية جعلت من محافظة ديالى مدينة للترهيب والخوف ومتميزة بالهجرة داخل العراق وخارجه!

وسبق لبعض المؤسسات الرسمية وغير الرسمية أن تحدثت عن التهجير في ديالى، ومن بينها مكتب حقوق الإنسان في المحافظة والذي أعلن في العاشر من أيار/ مايس 2019، أن عدد المفقودين في ديالى يتراوح بين الـ(2000) والـ(3000) شخص، وأن عدد الأسر النازحة تجاوز الـ(30) ألف أسرة"!

وطوال الخمس الماضية تقريبا هدأت الفتنة في ديالى، وبقيت غالبية مدن وقرى المحافظة تحت تحكم القوى المالكة للسلاح، وذلك بعد تهجير مئات العوائل، وسيطرة القوى القريبة من الحكومة على مجمل الأمور في المحافظة، وكانت بين فترة وأخرى تحدث عمليات تصفيات جسدية لأهداف انتقامية أو سياسية أو عشائرية، لكنها لم تؤثر على مجمل المشهد الأمني في المحافظة.

وفي ليلة الثلاثاء (26/10/2021) عادت الفتنة لديالى من جديد وذلك عبر هجوم دموي على قرى شيعية في قضاء المقدادية وقد كانت الحصيلة أكثر من 30 ما بين قتيل وجريح.

البداية كانت باختطاف مجموعة من شباب بني تميم من قرية الرشاد، وهم من العشائر الشيعية في ديالى، وتمّ التفاوض على تسليم المختطفين مقابل فديّة، واتفق الطرفان على مكان تسليم المختطفين، وحينما حضر بعض أهالي القرية لتسليم الفدية المتفق عليها، فتح عناصر داعش النار عليهم وقتلوا كل من حضر إلى مكان تسليم الفدية!

وبعد هذه الحادثة فزع أهالي الضحايا لمكان الحادث ووقعت مواجهة ثانية وقتل ما لا يقل عن عشرة آخرين، وجرح العشرات منهم!

وهنالك من يقول إن عناصر داعش هجموا على القرية بعد هذا الحادث، وحتى الساعة لم تتضح هذه النقطة من الحادثة.
وفي اليوم التالي حضر هادي العامري زعيم منظمة بدر، وقاسم الأعرجي مسؤول الأمن الوطني وغيرهما من المسؤولين إلى قرية بني تميم لدعمهم وللتهدئة، وكانت هنالك دعوات نارية لقتل وتهجير القرى المجاورة، وبالفعل تمّ تنفيذ هذا التهديد في ليلة الأربعاء 27/10/2021.

وخلال اتصالي ببعض الأصدقاء في المقدادية أكدوا صور الرعب المستمر في المدينة، وقد هُجّر من المدينة ما يقرب من 350 عائلة، حيث هجّر من (قرية نهر الإمام 200 عائلة) (ومن قرية العامرية 55 عائلة) (ومن قرية الميثاق الأولى 33 عائلة) (وقرية الميثاق الثانية 36 عائلة) (وقرية الرشاد 25 عائلة)، ومجموعهم (349) عائلة، وجميع هذه العوائل تركت كل ما تملك من دور وبساتين وسيارات ومواشي وقد تمّ حرق منازلهم وبعض ومواشيهم وبساتينهم، وحتى مستمسكاتهم الثبوتية!

هذا التطور المرعب قوبل ببرود رسمي عجيب، حيث إن المعركة بين داعش وقبيلة بني تميم استمرت لأكثر من خمس ساعات ومع ذلك لم تتدخل القوات المتواجدة في القضاء، وكأن الأمر لا يعنيها!

وبعد الهجوم المعاكس على القرى (السنّيّة) القريبة حاول الأهالي الاتصال بالقوات الحكومية لكنها لم تتدخل ولم تستجب لنداءاتهم المتكررة، وكأنها متفقة مع القوى المهاجمة على المدنيين والنساء والأطفال والشيوخ!

المهجرون من أهالي القرى في المقدادية نزحوا إلى مدينة بعقوبة مركز محافظة ديالى، وقد حاول الأهالي بكل إمكانياتهم مساعدتهم للمبيت في أماكن آمنة ومريحة، وهذه المشاهد تعيد للأذهان تلك الصور المرعبة في العراق خلال سنوات القتل والتهجير في الأعوام 2005 – 2009 وما بعدها!

ومع هذه الإجراءات الحكومية الهزيلة نجد أن القوات المكلفة بحفظ بعض القرى ومنها قرية (شوك الريم) انسحبت ليلة الخميس مما دفع أكثر من (25) عائلة للنزوح ليلا خوفا من القوى الشريرة الحاقدة!

وفي ذات الليلة سقطت أكثر من خمس قذائف هاون على قرية الحروب (الكرامة) دون وقوع ضحايا!

ومع استمرار حالة عدم الاستقرار في المحافظة سارعت حكومة تصريف الأعمال برئاسة مصطفى الكاظمي لفرض حظر التجوال من السادسة مساء حتى السادسة صباحا، وإعفاء قائد شرطة ديالى اللواء "حامد الشمري" من منصبه، وتعيين اللواء "عباس محمد حسين" بدلاً عنه!

ومع كل هذه التطورات أظن أن القضية يمكن النظر إليها من خلال عدة زوايا، وهي، مع الأسف، زوايا طائفية، وسياسات انتقائية انتقامية.

ومع ذلك هنالك عشرات الأسئلة التي لا يمكن الجواب عليها بسهولة، ومنها:

-       كيف تسلل عناصر داعش بهذه السهولة للقضاء وقتلوا وذبحوا وفي معركة استمرت لعدة ساعات دون أن ينتبه إليهم أحد!

-       وأين كانت الأجهزة الأمنية المكلفة بحراسة المدينة وهم بالمئات؟

-       والأهم من كل ذلك أين الأجهزة الاستخبارية والتي تعلم بوجود مختطفين من بني تميم لدى داعش ألا يفترض على الأقل تواجدهم بالقرب من مكان الجريمة؟

-       ثم ما هو ذنب القرى (السنّيّة) المجاورة وجميع أفراد هذه القرى تمّ التدقيق عليهم أمنيا من أربع دوائر أمنية في البلاد؟

هذه التطورات الجديدة في المقدادية لم تشهدها المدينة حتى خلال مراحل الحروب الطائفية، والذي يبدو من التفاعل الميداني أن ما يجري خطة مدروسة لتغيير ديموغرافي، وتهجير ممنهج!

إن تشخيص الخلل هو العلاج الأبرز، ولهذا يفترض أن يتمّ اعتقال كل من شارك في قتل الأبرياء وبينهم نساء وأطفال، وضرورة محاكمة ومحاسبة كل المنادين للنقمة الطائفية لأن هذه الدعوات بداية لحرق العراق بأكمله وليس محافظة ديالى بوحدها!

إن لم تسع حكومة بغداد والقوى المتنفذة للسيطرة على مجريات الأمور أظن أن ديالى ستكون بداية لفوضى جديدة في العراق الذي لم ير الأمن والأمان منذ العام 2003 وحتى اليوم!

 



[1] مركز راسام للدراسات// تاريخ النشر: 15/11/2021.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

السفارة البريطانيّة ببغداد... ودبلوماسيّة (الأكلات العراقيّة)!

العيد وسياسات التغريب عن الأوطان!