تضحيات العراقيين الثمينة![1]

 من المؤامرات التي تواجه النضال الوطني في أي بلد في العالم هي محاولات تزوير أو تزييف أو قلب الحقائق القريبة وبالذات تلك المتعلقة بالتضحيات الجسام والتي دفع ثمنها الآلاف من الرجال الذي آثروا الموت على الحياة في سبيل وطنهم.

واليوم هنالك سعي حثيث من قبل بعض القوى المالكة للمال والسلاح في العراق للقفز على تضحيات رجال الوطن الأوفياء الذين قرروا مواجهة قوات الاحتلال الأمريكية بكل ثبات وبالغالي والنفيس، بعد الاحتلال الأمريكي لبلاد النهرين في العام 2003.

وقد كانت نتيجة هذه المواجهة آلاف الشهداء وعشرات آلاف الجرحى والمعاقين ومثلهم من السجناء الذين آمنوا أن خلاص البلاد لا يكون إلا بالوقوف بوجه الاحتلال وأعوانه.

إن المقاومة العراقية النقية أثبتت أنها هي التي أجبرت الاحتلال على الخروج من العراق وعلى ترك غالبية الأمور بيد الحكومات المتعاقبة على حكم بغداد.

وسنحاول هنا ذكر بعض خسائر الاحتلال التي ذكرتها مواقع رصينة لنؤكد للعالم أن المقاومة الحقيقية هي التي وقفت ضد المحتل، وهي التي كبدته الخسائر الجسيمة التي يأن منها حتى الساعة، وليس الضربات العبثية على مواقع محصنة هنا أو هناك.

وسبق لتلفزيون البي بي سي البريطاني أن ذكر وفقا لآخر أرقام وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) في نهاية العام 2011 وبالذات مع الخروج الرسمي للقوات الأمريكية من العراق بأن الولايات المتحدة فقدت 4487 عنصرا في العراق منذ غزو تلك البلاد في ما بات يُعرف بـ "عملية حرية العراق" في التاسع عشر من شهر مارس/آذار من عام 2003.

وأكدت الوكالة البريطانية أن عدد القوات الأمريكية العاملة على الأرض في العراق ما بين 100 و150 ألف عسكري، إذا ما استثنينا فترة صعود موجة المسلَّحين في تلك البلاد في عام 2007.

وقد بلغ عدد القتلى في صفوف القوات الأمريكية 4421 عسكريا، قضى 3492 منهم خلال مشاركتهم في الأعمال القتالية، بينما بلغ عدد الذين أُصيبوا جرَّاء العمليات 32000 شخص، وهذه الإحصائيات ذكرت في 31 أغسطس/آب من عام 2010، أي مع انسحاب آخر من دفعة من القوات الأمريكية القتالية من العراق.

وفي التاسع عشر من أغسطس/آب 2010، غادر آخر تشكيل أمريكي مقاتل العراق، تاركا وراءه 50 ألف عنصر من العسكريين المشاركين بالعملية الانتقالية التي كانت تشهدها البلاد.

أمَّا القوات البريطانية في العراق، فقد وصل عددها خلال فترة الغزو إلى 46 ألف عسكري، ليأخذ العدد بعدها بالتناقص التدريجي عاما بعد عام، حيث وصل العدد في شهر مايو/أيار من عام 2009 إلى 4100 عسكري، وذلك عندما سحبت بريطانيا رسميا قواتها من تلك البلاد.

لكن القوات البحرية الملكية البريطانية واصلت تدريب القوات البحرية العراقية حتى مايو/أيار 2011.

أما المملكة المتحدة فقد فقدت 179 عسكريا، بحسب موقع آي كاجولتيز (icasualties)، وقد قضى منهم 136 خلال مشاركتهم في الأعمال القتالية، بينما قُتل 139 عنصرا من قوات الدول الأخرى المشاركة بالتحالف الدولي.

وبخصوص تكلفة الحرب الأمريكية في العراق فقد قدَّرت وحدة البحوث في الكونغرس الأمريكي، أن تكون الولايات المتحدة قد أنفقت مع نهاية العام المالي 2011 مبلغا قدره 802 مليار دولار أمريكي على تمويل الحرب، وقد جرى بالفعل تخصيص 747.6 مليار دولار منها!

وبخصوص تضحيات عموم العراقيين في مرحلة الاحتلال الأمريكي فقد قدرت مجلة "لانسيت" الطبية في عام 2006 دراسة عدد العراقيين الذين قضوا جرَّاء الحرب بـ 654965 قتيلا، منهم 601027 قُتلوا نتيجة أعمال العنف في البلاد.

وتضمَّن كل من "استطلاع صحَّة الأسرة العراقية" ودراسة "لانسيت" إحصائيات للقتلى الذين سقطوا في صفوف المدنيين والعسكريين والمقاتلين.

وهذا يعني أننا نتحدث عن أكثر من 600 ألف عراقي قتلوا لا ندري على الوجه الدقيق كم عدد رجال المقاومة العراقية بين هؤلاء الشهداء؟

واليوم يأتي من يحاول المتاجرة بدماء الرجال، وعموم العراقيين ليحاول أن يعلب دور المقاومة في أرض العراق!

إن هذه الخسائر الفادحة في صفوف العراقيين هي التي أجبرت غالبية القوات الأمريكية على الخروج من العراق!
فهل يعقل، مع هذه التضحيات، أن يأتي هؤلاء ليزوروا التاريخ القريب؟

ولا أدري من أني أتتهم هذه الجرأة في تزوير الواقع، وتغيير التاريخ والادعاء بأنهم أجبروا القوات الأمريكية على الخروج من العراق؟

معلوم أن المقاومة هي موقف قبل أن تكون رصاصة، والموقف المقاوم هو موقف صامد وثابت ومليء بالرجولة والاستعداد للتضحية، ولهذا فهي ليست مجرد حملة إعلامية بل هي لحظة فارقة ما بين الحياة والموت، وما بين الولاء للوطن أو الخيانة، وما بين الرجولة والخذلان، وما بين الشجاعة والهوان، وما بين التطبيق العملي للمبادئ وتخديرها.

موقف العراقيين الشجعان من الاحتلال كان واضحا، ولم يكن هذا الموقف من أجل ديمومة كيان سياسي معين، أو دعما لهذا الشخص أو ذلك، بل أن موقف المقاومة هو الموقف الشرعي والقانوني والأخلاقي الواجب التنفيذ في مثل هذه الحالات أو المراحل الفاصلة ما بين الوطن أو الضياع، وحتى أن الرئيس بوش الابن قال لو أن أمريكا احتلت لقاومت القوى المحتلة!

أتصور أن محاولات القفز على تضحيات المقاومة العراقية والسعي لاحتسابها لهذا الطرف أو ذاك زورا وبهتانا، أعتقد أن هذه السياسات الهشّة هي مؤامرة على العراق والأجيال القادمة وسرقة لدماء الشهداء، وآهات الجرحى، ومعاناة الأرامل واليتامى، وليس مجرد محاولة لتزوير التاريخ العراقي القريب.

إن محاولات قلب الحقائق وتزوير التاريخ القريبة لا يمكن أن تنطلي على المؤرخين ولا على عموم المتابعين للشأن العراقي، لأن من تمكن من السلاح بمساعدة القوى الأجنبية لا يمكن أن يدعي أنه يحاربها، وأن من صفق للمحتل ونفذ أوامره لا يمكن أن يكون في صفوف المقاومة.

إن شرف المقاومة لا يمكن أن يقترن بالخداع والكذب والتزوير، ومن يريد أن يركب قطار المقاومة عليه أن ينصف الآخرين، وأن يذكر تضحياتهم، وأن لا يقفز عليها، لأن التاريخ لا يرحم، ولا يمكن التلاعب به بسهولة.

Dr_jasemj67@

 



[1] مركز راسام للدراسات الاستراتيجية// تاريخ النشر: 19/8/2021.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

السفارة البريطانيّة ببغداد... ودبلوماسيّة (الأكلات العراقيّة)!

العيد وسياسات التغريب عن الأوطان!