الإعلام التخريبي![1]

 يعدّ الإعلام بصورة عامة وبكافة أشكاله وصوره المرئية والمسموعة والمقروءة من أقوى وأشد القوى الناعمة الضاغطة على الفكر الإنساني في حياتنا اليوم!

والوسائل الإعلامية لها القدرة على زرع الخير والشر، والحب والكراهية والنور والظلام، والسعادة والتعاسة والبنيان والتخريب، وغيرها من المتناقضات التي تملأ حياة الإنسان في أرجاء المعمورة.

ومع وسائل الإعلام المعروفة للجميع باتت وسائل الإعلام الشعبي أو مواقع التواصل الاجتماعي أيضا من المؤثرات الكبيرة في أفكار عموم الناس، وذلك لجاذبيتها، ولوفرتها وربما لبساطة تناولها، وإمكانية أو سهولة الوصول إليها في كل مكان وزمان.

وبعيدا عن الجوانب الاجتماعية والأخلاقية والسياسية والدينية نجد أن بعض الشخصيات الشعبية في مواقع التواصل اليوم لها تأثير على ملايين الناس، ويمكنهم توجيههم نحو الخير، وهو نادر جدا، أو نحو الشر، وهو الأكثر والأغلب.

وفي العراق ابتلينا بحسابات متنوعة منها الغث ومنها السمين، وبعضهم يحاولون عبرها نشر الخراب بين الناس، والقلة القليلة تحاول نشر الوعي.

هذا المخطط الخبيث يراد منه محو هوية الإنسان العراقي، ومحو هوية العراق، ومحو حضارته وتاريخه!

هذه الدوامة الإعلامية الشريرة تؤكد أن المؤامرة على البلاد كبيرة، ومعقدة، وقائمة على المال وليس على الإنسان، والهدف هو الثراء الفاحش ولو عبر الخطاب الساقط الهابط المليء بالألفاظ التي يعف الإنسان النقي عن سماعتها فكيف وهي تقتحم بيوت الناس ومواقعهم الشخصية دون رقيب أو حسيب.

إن التطور التكنلوجي لا بدّ أن يتم توظيفه بالأسلوب الأمثل، وليس بالأسلوب التخريبي، وكأننا نعيش في مجتمع خال من القيم والمبادئ، وبالذات مع عدم وجود رقابة صارمة على محتوى الإعلام حتى على المستوى الغالبية العظمى من القنوات الفضائية التي لم يعد يعنيها إلا (الأكشن) ولو على حساب الأسس المجتمعية والأخلاقية!

وهذا الكلام ينطبق على أنظمة الرقابة الرسمية، وبالذات ونحن أمام إعلام عابر للحدود لا يمكن السيطرة عليه، وهذه الرقابة يمكن أن تكون في حدود الوطن فقط، فكيف بالإعلام غير الوطني والهادف لتضييع الهوية الوطنية الإنسانية؟

المذهل أن بعض البرامج لم تكتف بضرب الأسس الدينية والمجتمعية والإنسانية بل ذهبت لضرب عمالقة العلوم بمختلف صنوفها، وكأنهم يدمرون الأجيال الحالية والقادمة ضمن خطة مدروسة وعبر مراحل دقيقة ومعدة سلفاً!

إن دور الإعلام التخريبي اليوم هو دور فعال، وقادر على تزييف الحقائق وتشويه سمعة أي شخص حتى لو كان من الأنقياء، وهنالك الجيوش الإلكترونية التي تعتاش على هذه الخلافات وعلى الترويج لهذا النشر البعيد عن الدين والأخلاق والمروءة والتربية السليمة!

هذا الاستهتار الإعلامي والهبوط في الخطاب والسقوط في التوجه لا يمكن أن يكون عبثيا، بل تقف وراءه مشاريع خطيرة، لا تقل خطورة عن مشاريع الاحتلال والاستعمار والغزو الفكري!

ومن هنا يتوجب العمل على منع المسلسلات والبرامج والأخبار الهادفة لنشر الخطاب الطائفي والعنصري ونشر الرذيلة والخلاعة بين المواطنين، وأن تكون هنالك عقوبات رادعة لمثل هؤلاء لأن القضية لا تتعلق بحرية التعبير ولا بحرية الإعلام بل تتعلق بضرورة صيانة المجتمع، وحماية المجتمع مقدمة على المنفعة الشخصية لفلان أو فلان من أصحاب القنوات أو شركات الإنتاج!

إن تجاهل خطورة هذه الوسائل التخريبية على الإنسان والمجتمع سيكون الشرارة التي تحرق السلم المجتمعي العراقي، وسيستغلها المخربون المالكون للمال والسلاح لقتل الأبرياء من العراقيين!

الإعلام البعيد عن الحيادية والموضوعية ليس إعلاما وطنيا، والإعلام التخريبي الساعي لقلب الحقائق لا يقل خطوة عن الإرهاب وأحيانا ربما يكون خطره اشد من الإرهاب الذي يطال فئة محدود من الضحايا بينما الإعلام التخريبي قد تصل آثاره لملايين المواطنين في بعض البرامج والمسلسلات والأخبار المزيفة أو المشوهة!

يفترض توعية الناس وتثقيفهم على خطورة الإعلام التخريبي، وضرورة احترام خصوصية الآخرين، والابتعاد على الطعن حتى بالمخالفين معهم، ورفض الممارسات السلبية ومنها الرشاوى والتزوير واحترام الأطباء في المستشفيات العامة والخاصة، وضرورة التشجيع على القيم النبيلة ومنها حب الوطن وكراهية الخيانة، والالتزام بأنظمة المرور وغيرها من صور والممارسات الهادفة لبناء الوطن ولا علاقة لها بالحكومة لأننا نهدف لبناء الإنسان، وهذا الأمر هو الأساس دون النظر للموقف من الحكومة والعلمية السياسية القائمة في العراق!

الإعلام غير المسيس وغير المؤدلج طائفيا يمكن أن يساهم في التغيير المأمول في العراق، والإعلام الطائفي التخريبي سيساهم في استمرار الحالة السلبية، وبالمحصلة سنبقى ندور في ذات الدوامة منذ العام 2003 وحتى اليوم ولربما لعشر سنوات أخرى قادمة!

الإعلام بصورة عامة سلاح ذو حدين لهذا ينبغي العمل لجعله أداة للخير، والبناء والعطاء ونلجم بواسطته كل القوى التي تحاول توظيفه لغايات شريرة وبعيدة عن الفكر الإنساني السليم والنقي!

إن الإعلام العراقي بحاجة اليوم إلى بناء صحيح قائم على الأسس النبيلة الهادفة لبناء الإنسان قبل البنيان، لأن الإنسان هو القيمة الأهم وهو القادر على البناء والعطاء والإعمار، ولهذا فإن الإعلام التخريبي الناشر للإرهاب بكل صوره، والقالب للحقائق، والمزيف للوقائع، والمغير للمعادلات لا يمكن أن يساهم في بناء الإنسان والوطن.

وزبدة القول ينبغي العمل على تنقية الإعلام من المخربين قبل أن نجد أنفسنا أمام إعلام ساحق ومدمر وضارب لكل ما في مجتمعاتنا وعلى كوكبنا من قيم وأخلاق وأعراف وعقائد!

 



[1] مركز راسام للدراسات الاستراتيجية// تاريخ النشر: 30/11/2021.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

السفارة البريطانيّة ببغداد... ودبلوماسيّة (الأكلات العراقيّة)!

العيد وسياسات التغريب عن الأوطان!