عقبات في طريق الانتخابات البرلمانية العراقية[1]

 أقل من شهرين هي الفترة المتبقية لانطلاق الانتخابات البرلمانية في العراق، وهنالك اختلاف واضح في مسألة الجزم بالمضي في إجراء تلك الانتخابات في الموعد المحدد لها في العاشر من شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2021.

مفوضية الانتخابات العراقية أكدت بأنها ماضية في إجراء الاقتراع المبكر في موعده المقرر، ورئيس حكومة بغداد، مصطفى الكاظمي، كرر في أكثر من مناسبة أن الانتخابات لن تتأجل، ومع ذلك أتصور أن الأمر ليس بهذا الجمود، وأن هذه القرارات يمكن أن تتبدل بين ساعة وأخرى، تماما كما حدث في مواقف لا تقل أهمية وخطورة عن الانتخابات ومنها قضية تطبيق القانون، وتحجيم دور الفصائل الولائية المتمردة على الحكومة، بل والفارضة لإرادتها على المشاهد السياسية والبرلمانية والحياتية في بلاد غابت عنها الطمأنينة منذ أكثر من عقدين!

بداية أنا أميل للرأي الذي يقول بعدم إجراء الانتخابات في موعدها المقرر، وكلامي ليس ضربا من الخيال وإنما هو رأي قائم على النظر والاستقراء والمتابعة والخبرة في الشأن العراقي لأكثر من 15 عاما في العمل الصحفي اليومي والمرهق.

ومع ذلك أتصور أن العقبات التي سأذكرها في طريق الانتخابات ربما ستبين أسباب ميلي إلى فرضية عدم إجراء الانتخابات في موعدها.

وهنا سنحاول، وبموضوعية تامة، ذكر أهم العقبات التي تعترض الانتخابات البرلمانية العراقية المقبلة:

1. السلاح المنفلت: لا يمكن تصور انتخابات نزيهة وشفافة في أجواء غير صحية، ومنها السلاح المنفلت للقوى الشريرة الحاقدة على الوطن والمواطن.

إن الإشكالية الكبرى ليس فقط في امتلاك تلك القوى غير المنضبطة للسلاح بل في سيطرة مجاميع سياسية تابعة لتلك القوى المسلحة على البرلمان الحالي، وتهديدهم للمواطنين بانتخاب الشخصيات التابعة لهم أو القريبة منهم، وهذا ما حصل في الانتخابات الماضي.

2. عدم قدرة حكومة بغداد على ضبط السلاح بيد الدولة، والدليل على ذلك استمرار استهداف البعثات الدولية العاملة في العراق من قبل فصائل مسلحة تدعي أنها تابعة للقوات الرسمية في العراق، والاغتيالات المستمرة في عموم البلاد وبالذات للناشطين من شباب مظاهرات تشرين وغيرهم.

3. انسحاب قوى سياسية فاعلة من الانتخابات: بغض النظر عن رأينا في هذا الطرف السياسي أو ذاك لكن هنالك قوى لا يمكن القفز على أهميتها أو (شعبيتها) في الشارع العراقي، ومنها التيار الصدري التابع لرجل الدين مقتدى الصدر.

يمكن أن ينظر لانسحاب التيار الصدري على أنه محاولة للي أذرع بقية القوى السياسية، وبالذات مع مطالبة التيار بضرورة حصوله على رئاسة الحكومة في المرحلة القادمة، ولكن يبدو أن هذه الخطوة التكتيكية يراد منها الحصول على وعود من شركائهم بإمكانية حصول التيار على المنصب الأهم والأبرز في عراق ما بعد 2003، منصب رئاسة الحكومة.

إن انسحاب الصدر من الانتخابات المقبلة في منتصف تموز/ يوليو 2021 يهدف لخلط الأوراق، وربما ينطوي هذا القرار على إعادة ترتيب أوراق التيار الصدري مع وجود بعض الاستطلاعات التي تشير إلى تراجع شعبية الصدر إلى درجات كبيرة.

والتجارب السابقة أثبتت أن الصدر ليس ثابتا على مواقفه، ولهذا ربما سيتراجع في الساعات الأخيرة، وقد ذكر نائب رئيس الوزراء السابق بهاء الأعرجي، والعضو السابق في التيار، يوم 8/8/2021 أن التيار الصدري سيشارك في الانتخابات المقبلة!

وبعد انسحاب الصدر توالت (الانسحابات الإعلامية، وليست الرسمية) ومنها انسحاب الحزب الشيوعي العراقي، ورئيس جبهة الحوار الوطني صالح المطلك، ورئيس الوزراء الأسبق أياد علاوي بالإضافة إلى العديد من المرشحين غير البارزين.

وحينما قلت (الانسحابات الإعلامية) أقصد بذلك أن هؤلاء لم يقدموا للمفوضية طلبات سحب الترشيح، وهذا ما أكدته المفوضية والتي قالت بأنها لم تتلق أي طلبات تحريرية للانسحاب من الانتخابات!

وهذا يعني أنهم باقون داخل ميدان السباق الانتخابي، ويمكنهم المشاركة، لأنهم لم يقدموا طلبات الانسحاب ضمن التوقيتات القانونية للانسحاب خلال الأشهر الماضية، وبهذا فهم باقون في حلبة الترشح، وربما جميعهم يرغبون بتحقيق أهداف شخصية وحزبية، آنية ومستقبلية، من وراء إعلان الانسحاب، أو في أفضل الأحوال الضغط على الكاظمي لتأجيل الانتخابات إلى نهاية العام القادم!

اللافت للنظر أن بعض الكيانات السياسية التي لم تنسحب من الانتخابات أوقفت دعاياتها الانتخابية، لأنها على يقين بأن الانتخابات لا يمكن أن تمضي في التوقيت المحدد لها!

الفيصل في قضية الانتخابات هو هل سيحل البرلمان العراقي نفسه في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، أي قبل ثلاثة أيام من الانتخابات أم لا؟

4. المال السياسي: من الثابت في العراق أن المال العام استخدم، ويستخدم، في الترغيب للمشاركة في الانتخابات، ولهذا هنالك قوى وشخصيات مرشحة تنظر للمنصب على أنه غنيمة وليس أداة لخدمة الجمهور والبلاد، وعليه وجدنا أنهم ينفقون أموالا طائلة في دعاياتهم الانتخابية، أملا في استرداد تلك الأموال عبر العقود الفاسدة والعمولات المقطوعة في العقود المرتقبة والمتوقعة، في بلاد تعاني من شلل في التخطيط وفساد مالي أكل أكثر من ألف مليار دولار باعتراف بعض المسؤولين الحكوميين.

وهذه الأموال تؤثر ليس فقط على تغيير إرادة الناخبين وإنما أيضا على نتائج العد والفرز بعد الانتخابات عبر شراء ذمم بعض الموظفين والمتحكمين في نتائج الانتخابات.

5. التزوير والتلاعب بنتائج الانتخابات: وهنا يمكننا النظر للأمر بموضوعية دقيقة، على افتراض أن الانتخابات القادمة ستجري في مواعدها المقرر، فهل ستسلم صناديق الاقتراع أو العد الألكتروني من التزوير والتلاعب؟

هنالك تسريبات من بعض الصالونات السياسية تفيد بأن الشخصيات التي ستفوز بالانتخابات القادمة قد حُسمت، وأن الخلاف الآن بين القوى الفاعلة فقط على 30% من تلك الأسماء التي لم تحدد بعد!

فهل هذه انتخابات نزيهة، أم هي شكل من أشكال الخداع الجماهيري، والضحك على الذقون؟

ولهذا صرنا نسمع بأن النتائج يمكن أن تظهر خلال 24 ساعة لأنها شبه كاملة أو متفق عليها!

6. عدم وجود تمثيل حقيقي لمناطق مضطهدة أو مسحوقة: الانتخابات هي صدى الشارع، وهي الأداة الأمثل للتغيير، وهي صوت الجماهير الحالمة بغد أجمل وأنقى.

في الحالة العراقية وبسبب التجارب البرلمانية السقيمة الماضية تولدت قناعة لدى فئات كثيرة من الشعب أن الانتخابات أداة للثراء الشخصي والتغول الحزبي، والتنمر السياسي، وليست أداة لمراقبة أداء الحكومة والعمل البرلماني الناضح الساعي لتحقيق آمال الناس وطموحاتهم وتنمية البلاد وتطويرها.

هذه القناعة تسببت بعزوف واضح عن المشاركة في الانتخابات الماضية، وهذه النفرة من المشاركة متوقعة في الانتخابات المقبلة، وبالتالي كيف يمكن توقع الانتخابات مع هذا الغضب الشعبي المتمثل في مظاهرات تشرين والحملات الشعبية الداعية لمحاكمة المجرمين وتحقيق العدالة الاجتماعية، وهي مطالب إنسانية عادلة لم تستجب لها أي حكومة حتى الآن بما فيها حكومة الكاظمي؟

وكيف يمكن أن تجرى انتخابات في مناطق هنالك اتهامات مسبقة لأبنائها بأنهم من الإرهابيين، والكثير منهم مطاردون بحجج وتهم باطلة؟

7. كارثة التهجير والنزوح: من المشاكل والعقبات قضية استمرار نزوح الملايين من العراقيين في خارج البلاد، وغالبيتهم من مكون واحد من العراقيين، وهؤلاء قررت الحكومة عدم إشراكهم في التصويت، وهذا دليل قاطع على عدم وجود تمثيل برلماني حقيقي لكل شرائح المجتمع العراقي.

8. تنامي الإرهاب: اليوم هنالك عودة للمجاميع الإرهابية للعبث بالعديد من المدن ومن بينها ديالى وصلاح الدين والموصل ومناطق حزام بغداد وغيرها، وهذا مؤشر ثابت وخطير على عدم وجود أرضية صالحة للانتخابات في جميع مدن العراق الغربية والشرقية والشمالية عدا مدن إقليم كردستان وغالبية مدن الجنوب.

هذه العقبات وغيرها لا يمكن معها أن نكون أمام انتخابات صافية ونقية وسليمة، وعلى العموم هل هذه العقبات المذكورة آنفاً بسيطة ويمكن تجاوزها، أم أنها عقبات مميتة وبحاجة لمعالجات جذرية وجادة؟

إن الانتخابات النزيهة هي الخالية من الشخصيات المتهمة بالقتل والترهيب، والبعيدة عن التدخلات الخارجية والتهديدات والمال السياسي وغير ذلك من صور التخريب السياسي والفكري!

العراق الآن بحاجة لمرحلة انتقالية يتم خلالها الترتيب لعملية انتخابية نزيهة وبإشراف دولي حقيقي، وتفرز برلمانا شعبيا خاليا من القتلة والمجرمين، والكتلة الأكبر هي التي تشكل الحكومة الممثلة لكل العراقيين والهادفة لبناء دولة المواطنة، وحينها يمكن أن نضع اللبنة الأولى لبناء العراق السعيد!

فهل ستسعى الدول الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، لمساعدة العراقيين على تحقيق هذا الحلم الكبير أم أننا سنبقى ندور في هذه الحلقة المليئة بالترهيب والخوف والقائمة على سياسة دولة اللادولة؟

dr_jasemj67@

 

 



[1] معهد واشنطن منتدى فكرة// تاريخ النشر: 29/9/2021.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

السفارة البريطانيّة ببغداد... ودبلوماسيّة (الأكلات العراقيّة)!

العيد وسياسات التغريب عن الأوطان!