أضواء على استهداف علماء العراق



 دأب العراق، رغم كل الظروف الصعبة التي مرت به، على بناء وتطوير القدرات العلمية لأبنائه، وتخريج الكفاءات العلمية القادرة على مواكبة المتغيرات المستمرة الإقليمية والدولية، والتعامل مع المنجزات العلمية الحديثة، لتساهم تلك الكفاءات في ترسيخ وتشجيع برامج البحث العلمي التطبيقي وتطويرها بغرض تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

الكفاءات العلمية، كما هو معلوم، تمثل ثروة مهمة من ثروات الأمم، لا يمكن التفريط بها بسهولة، وهي ثمرة لا تنضج بين ليلة وضحاها، بل نتيجة سنوات من العناية والاهتمام والدراسة، يتكاتف في الوصول إليها كل من الدولة والمواطن.

في العراق، ظل لهذه الكفاءات دور مميز في جميع مراحل بناء الدولة الحديثة، خصوصاً في مرحلة الحصار الذي ضرب على البلاد منذ العام 1991، ذلك أن القدرات والكفاءات العراقية هي التي استطاعت أن تسير عجلة البناء والتقدم، كي تحافظ على استمرار العمل في شتى المصانع والمنشآت في البلاد، رغم الحصار الدولي المحكم.

بعد احتلال البلاد في العام 2003، واستهداف كل ما يتعلق بحضارة وثروة العراق، بدأ تنفيذ عمليات دقيقة ومنظمة ضد الكفاءات العلمية، من خلال الاغتيالات والاعتقالات والخطف، ما اضطر الآلاف منهم للخروج من العراق، حفاظاً على أرواحهم. وفي بداية الشهر الماضي، نشرت وزارة حقوق الإنسان العراقية، إحصائية أعدتها بالتعاون مع وزارات الدفاع والداخلية والصحة، جاء فيها أن 224 أستاذاً جامعياً قُتلوا خلال الفترة من بداية العام 2004 وحتى نهاية العام 2007، واختطف 69 منهم، كما لقي 269 صحافياً مصرعهم، بينهم 197 قتلوا في بغداد وحدها، وقتل 281 طبيباً بينهم أساتذة في كليات الطب، كذلك بيّنت الإحصائية أن 95 محامياً و21 قاضياً و446 طالباً جامعياً قتلوا خلال تلك الفترة. وأشارت الوزارة إلى أنها "طالبت وزارة الداخلية بتشكيل غرفة عمليات لمتابعة استهداف الكفاءات العلمية، وإجراء التحقيقات المعمقة بذلك، والقبض على المجرمين وإحالتهم إلى القضاء لكي ينالوا جزاءهم العادل".

في هذا الإطار، كانت الحركة الإيرلندية المناهضة للحرب قد ذكرت في تقرير نُشر في بداية شهر شباط (فبراير) من العام الجاري أنه تم استهداف 530 من علماء العراق وأكثر من مائتي أستاذ جامعي وأكاديمي منذ بداية الاحتلال وحتى نهاية العام 2007، أما اختصاصات الأساتذة الذين استهدفتهم الاغتيالات، فهي: العلوم بنسبة 31 بالمائة، الحقل الطبي بنسبة 23 بالمائة، العلوم الإنسانية بنسبة 21 بالمائة، العلوم الاجتماعية بنسبة 12 بالمائة، إضافة إلى نسبة 13 بالمائة من دون اختصاص. كذلك توزّعت الاغتيالات بحسب الرتبة والمنصب، كالتالي: رئيس جامعة بنسبة 2 بالمائة، عميد كلية أو نائب عميد بنسبة 11 بالمائة، رؤساء أقسام بنسبة 6 بالمائة، مساعدون بنسبة 59 بالمائة، محاضرون بنسبة 6 بالمائة، أكاديميون بنسبة 13 بالمائة، وطلاب بنسبة 3 بالمائة. أما الاعتداءات غير المميتة فكانت نسبتها كما يأتي: اعتقالات بنسبة 33 بالمائة، محاولات اغتيال بنسبة 23 بالمائة، عمليات اختطاف بنسبة 16 بالمائة، تهديد بالقتل بنسبة 11 بالمائة، حوادث أخرى بنسبة 17 بالمائة.

وأدت عمليات الاعتداء على أكاديميين عراقيين من نيسان/ أبريل 2003 إلى نيسان/ أبريل 2006، إلى وفاة 74 بالمائة منهم، في حين بقي 26 بالمائة على قيد الحياة، غالبيتهم العظمى من الذكور، بنسبة 95 بالمائة، والباقي من الإناث.


من المستفيد من قتل هؤلاء؟ ومن يقف وراء هذه الجرائم الخطيرة التي تستهدف النخب من أبناء العراق؟ إن المسؤولية الأولى في هذا الذي يجري تقع على عاتق الاحتلال، الذي هو المسؤول قانوناً عن الحفاظ على المدنيين من أبناء الدولة المحتلة، ثم الحكومة العراقية، كذلك ينبغي على المنظمات الدولية وخصوصاً منظمة اليونيسيف العمل الجاد لإيقاف هذه الجرائم المنظمة، ومطالبة قوات الاحتلال بفتح تحقيقات دقيقة وجادة لمعرفة الجهات التي تقف وراء هذه الجرائم الخبيثة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى