حقيقة صراع الساسة الكرد والعرب في العراق


طالعتنا بعض المواقع الرسمية وغير الرسمية العراقية خلال الاسبوعين الماضيين بمجموعة من العناوين المثيرة للخوف والهلع، بين المواطنين من سكان مناطق التماس، أو ما تسمى المناطق المتنازع عليها، ومن هذه الأخبار:
- رئيس البرلمان العراقي: الأزمة بين المركز والإقليم وصلت إلى مرحلة المواجهة العسكرية.
- عاجل.. عاجل.. بعد دخول قوات كردية اليها المالكي يرسل قوات التدخل السريع إلى كركوك!!
- عناصر من الجيش «العراقي» تدخل إلى محافظة كركوك بملابس مدنية!
وغيرها الكثير من الأخبار التي تظهر حجم التوترات المتصاعدة  بين بغداد واربيل.
ما يجري في العراق اليوم من صراع بين ما تسمى حكومة المركز، المتمثلة بحكومة المنطقة الخضراء التي يترأسها نوري المالكي، وبين حكومة ما يسمى اقليم كردستان التي يتزعمها مسعود البرزاني، يدخل ضمن اللعب السياسية الكثيرة المخجلة التي تدور أحداثها على الساحة العراقية، فبعد أن تسبب أغلب هؤلاء الساسة باحتلال العراق على يد الولايات المتحدة والدول المتحالفة معها، وأعادت أمريكا العراق -وكما وعدت- إلى القرون الوسطى، نجد أن غالبية هؤلاء الساسة لم يكتفوا بالدمار والخراب والقتل والتهجير والكوارث البيئة والإنسانية والصحية والخدمية التي وقعت في بلاد الرافدين، بل نجدهم اليوم يدقون طبول الحرب بين العراقيين أنفسهم!
التصعيد المستمر في المناطق التي تعرف باسم المناطق المتنازع عليها بين بغداد واربيل، وخصوصاً في محافظتي كركوك الغنية بالنفط، ومحافظة ديالى شمال شرق العاصمة بغداد، هذا التصعيد السياسي لا يمثل الواقع الشعبي العراقي، فالتماسك الاجتماعي بين العراقيين لا يمكن التشكيك به، أو حتى محاولة تشويه صورته أمام الرأي العام العربي والدولي؛ فالمواطنون العراقيون بكل اديانهم ومذاهبهم وقومياتهم متلاحمون لحمة حقيقية، والعراقيون من العرب والمسيحيين مقيمون الآن في المحافظات الكردية، والأكراد حتى الساعة يعيشون في وسط وجنوب وغرب العراق، وهم جميعاً يسخرون من هذا الصراع السياسي، ومتفقون على أن هؤلاء الساسة لا يمثلون إلا أحزابهم وأنفسهم، وبالتالي لا يمكن لسيوف السياسة المسمومة أن تدسّ السم في قلوبهم النقية، والسنوات المريرة الماضية كانت كافية لإثبات حقيقة هذا الود، وهو حب حقيقي منضبط بالدين والأعراف والتقاليد والأخلاق والتاريخ والأخوة.
الخلاف الواقع بين شركاء الأمس: المالكي وجماعته من جهة، والبرزاني والطالباني من جهة أخرى، بدأ حينما أمر المالكي بتشكيل قيادة قوات دجلة التي ستتمركز في بعض المحافظات العراقية، ومنها كركوك التي يعدها الاكراد جزءاً من «اقليمهم»، وهذا الخلاف يدخل في باب المزايدات السياسية التمهيدية للانتخابات القادمة في البلاد!
وعلى عكس تلك المزايدات السياسية، فإن هذا الصراع كشف عن جملة من التصدعات الكبيرة في داخل ما تسمى العملية السياسية في العراق منها: أنه وفي يوم 28/11/2012 كشف مصدر مطلع بالتحالف الكردستاني عن أن رئيس الجمهورية «الطالباني» وضع استقالته من رئاسة الجمهورية بين يديّ البرزاني، وذلك في أثناء الاجتماع الذي ضمهما في اربيل.
وبحسب الدستور، فإنه يتوجب على الطالباني تقديم هذه الاستقالة لرئيس البرلمان، وليس إلى أحد غيره!
وحتى نؤكد ما ذهبنا إليه من أن الأمر يتعلق بالانتخابات القادمة، فإن بعض المراقبين أكدوا أن هذه الخطوة أراد بها الطالباني إيصال رسالة إلى البرزاني مفادها أنه زعيم كردي أكثر من كونه رئيساً لجمهورية العراق!
ومن تلك التصدعات أيضاً موضوع إبراز عضلات تلك الأطراف على بعضها البعض، فخلال الأسبوع الماضي تحركت قوة كردية قوامها (200) عجلة، بقيادة نجل رئيس إقليم كردستان العراق (مسرور البارزاني)، ودخلت كركوك صباح الثالث من كانون الأول الجاري، ويعتقد أنها جاءت لتستقر بمحاذاة المحافظة، فيما تحركت قوات أخرى نحو خانقين بمحافظة ديالى.
وبعد يوم من هذه التحركات ذكرت بعض الوكالات المحلية العراقية أن المالكي أرسل تعزيزات عسكرية إلى كركوك.
وحتى ساعة كتابة هذا المقال فإن المناوشات الإعلامية والتحركات العسكرية على الأرض مستمرة من الطرفين، والسؤال الذي يطرح هنا: أين دور هذه القوات في حفظ الأمن في بلاد تُعد الأولى بين دول العالم من حيث عدد التفجيرات اليومية وضحاياها؟!
وخلاصة القول.. إن هذه التحركات لا يمكن أن تكون مكسباً لهؤلاء الساسة،
كما يظنون، وإنني على يقين بأن السحر سينقلب على الساحر، وأن هذه الألاعيب السياسية سيدفعون ثمنها قريباً؛ لأن الشعب العراقي لم يعد يحتمل مزيداً من المهاترات السياسية التي يعد فيها المواطن الخاسر الوحيد.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى