فقراء فوق بحيرات النفط والغاز



لا يُذكر "العراق الجديد" اليوم إلا ويتبادر إلى الذهن، مئات المليارات التي تسرق في وضح النهار من قبل أغلب ساسة المنطقة الخضراء، الذين نجحوا نجاحاً باهراً في سياسة الصفقات الاقتصادية الخاصة، وبالتالي هم  يملكون اليوم ملايين الدولارات، في البنوك العالمية، ومنهم من وصلت ثروته إلى المليارات.
وفي الاتجاه المعاكس لهذا المعدل المستمر بالصعود في ثروة أغلب هؤلاء الساسة، نلاحظ انحداراً كبيراً في مستويات المعيشة لعموم الشعب العراقي، بل تردياً في كافة القطاعات الحياتية الأخرى!
الحالة المميزة للمشهد العراقي بعد عام 2003، ليس الاحتلال والتفجيرات اليومية والاغتيالات والاعتقالات فقط، بل الميزانيات الهائلة للـ" دولة"، حيث وصلت في عام 2012، إلى أكثر من مائة مليار دولار!
وعلى الرغم من هذه الأموال الطائلة يعاني العراقيون اليوم من فقر قاتل خيم على حياتهم اليومية، وهذه الحقيقة أكدها النائب عن القائمة العراقية، وعضو لجنة الاقتصاد في مجلس النواب، خالد العلواني الذي أعلن في يوم 25/11/2012 أن "هناك فئات عراقية تعاني من فقر مدقع، خاصة في المحافظات الجنوبية، إذ تتراوح نسبة الفقر هناك ما بين 48 ـ 56%، فيما وصلت نسبة الفقر في مجمل العراق إلى 37%"!
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، وإنما تجاوز إلى مجالات أخرى شملتها "بركات الخراب في العراق الجديد"، وكل ذلك التدمير يدخل في نوع جديد من العنف اكتشف في العراق، ولأول مرة على يد ساسة المنطقة الخضراء، ذلك هو العنف السياسي القانوني، والذي يهدف لتحقيق جملة من الأهداف السياسية بأغطية مزيفة، وشعارات ظاهرها العدالة، وباطنها الظلم والطغيان، وكذلك تُنفذ هذه السياسة باسم تطبيق القانون، والدستور!
هذا العنف السياسي وصل إلى أرق الكائنات في الكون، ألا وهنّ النساء، اللواتي يعانينّ اليوم من سياسة التجويع والتجاهل، في مجتمع تقوده حكومة حذفت من قاموسها السياسي مصطلح الاستقالة، بل على العكس من ذلك كلما وقعت كارثة في البلاد تتطلب اعلاناً للاستقالة نجدها تتمسك أكثر وأكثر بالمناصب، وكأن ما يجري حولها في بلاد أخرى، وليس في البلاد التي تتحكم بمقدراتها!
المرأة العراقية تعاني اليوم من سياسة العنف، في بلد تمارس الحكومة فيه سياسة التجويع والقتل المنظم عبر لقمة العيش، وعدم دعم المشاريع الحقيقية التي من شأنها القضاء على الفقر والبطالة، وفي هذا السياق أعلن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق، في تقرير له نشر يوم 25/11/2012، أن في العراق أكثر من (600) ألف أسرة تعيلها أرامل، نسبة كبيرة منهنّ عاطلات من العمل، وهي النسبة الأعلى بين الدول العربية، وأنه خلال العقود الثلاثة الماضية التي تخللتها حروب ونزاعات وعنف وعقوبات، كان على المرأة العراقية أن تتحمل أعباء مضاعفة كبيرة لسد الفراغ الذي خلفه وفاة الزوج المعيل، أو اعتقاله، أو تهجيره، بل وحتى تغييبه، وأن أسرة من بين كل عشر أسُر عراقية ترأسها امرأة، كما أن (90) في المائة من ربات هذه الأسر أرامل.
ما ذُكر في هذا التقرير الأممي هي مجرد أرقام وإحصائيات، ربما تُهمل، وربما لا تُثير اهتمام الساسة والقراء، لكن التفاعل اليومي مع هذه الأرقام يكشف عن حقيقة مرة، ممزوجة بالجوع والعوز والبرد، والضياع!
وسط هذه الارقام المذهلة هل من الممكن أن نتعرف على المهام التي تقوم بها حكومة المنطقة الخضراء؟!
وما الذي تقدمه خلال اجتماعاتها الطارئة والاعتيادية للعراق وللعراقيين؟!
وما هو العذر الذي يمكن أن تلتحف به، هذه المرة، وهي التي تتحكم بعشرات المليارات من الدولارات؟!
هذه الحرب اللعينة الهادفة لتجويع شعب العراق، الذي يعيش على بحيرات من النفط والغاز، وميزانيته اليوم تعدل ميزانية أكثر من أربع دول عربية مجتمعة، وهي سوريا  والأردن ولبنان ومصر، أقول: إن هذه الحرب الظالمة ستكون الشرارة التي تشعل فتيل مسيرة التغيير المرتقب في بلاد الرافدين!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى