منْ يفك هذا اللغز العراقي؟!



ما من مناسبة تمر إلا ويطل علينا مسؤول حكومي عراقي يؤكد خلالها أن الأوضاع في البلاد جيدة، وأن «الظلاميين والإرهابيين» هم الذين يروجون للدعايات التي تقول: «إن البلاد تعاني من انهيار لمنظومة حقوق الإنسان، وخراب وتدمير شبه تام للبنى التحتية، وإن الفساد المالي وصلت مدياته لدرجات لم يبلغها التأريخ العراقي، لا قديماً، ولا حديثاً»!

والحق الذي لا يمكن أن يُغلف بالتطبيل الإعلامي، أن العراق اليوم غابة لا يوجد فيها أي قانون، والحق للأقوى، والضعيف هو الحلقة المظلومة في المعادلة، وهم عموم الشعب العراقي! 

وأن الظلم لم يتوقف عند القتل والتهجير، بل وصل إلى أعراض الناس وشرفهم، وهذا ما تمارسه بعض الأجهزة الأمنية الحكومية!


وخلال الشهرين الماضيين تناقلت العديد من وسائل الاعلام المرئية، وخصوصاً فضائية الشرقية العراقية، شهادات حية أكدت أن النساء في داخل المعتقلات الحكومية يتعرضنَّ لأنواع من الاهانات والتعذيب، ووصل الأمر إلى اغتصاب بعضهنَّ داخل السجون، وكذلك أثناء نقلهنَّ من معتقل إلى آخر!

وهذا الفعل يمثل قمة الانحطاط الخُلقي؛ لأن المرأة، في أي مجتمع يَحْتًرم نفسه، هي رمز للعفة، والطهارة، والنقاء، والأصالة، والشرف، وعليه فإن هذا الأمر مرفوض جملة وتفصيلاً؛ لأن أعراض العراقيات ليس ورقة مزايدة يمكن استخدامها للضغط على هذا الطرف، أو ذاك.

وعلى الرغم من كل هذه الحقائق المدعومة، بشهادات مباشرة من قبل النساء اللواتي تعرضنَّ لهذا الفعل الدنيء، نجد إصراراً حكومياً على تشويه الحقيقة، وفي يوم 10 كانون الأول/ ديسمبر 2012، رفض رئيس الحكومة نوري المالكي، خلال كلمته في الاحتفالية التي أقامتها وزارة حقوق الإنسان بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، رفض اقتصار الحديث على حقوق الإنسان في العراق، على السجناء فقط، في حين تُنسى حقوق المرأة، والطفل، واليتيم وغيرها من الحقوق المهمة التي تهم المواطن العراقي، وأن من يهدر كرامة الإنسان الآخر من أي موقع من المواقع لا يمكن السكوت عليه كما هو موجود فى الأنظمة الدولية!

وحينما تسمع هذا الكلام من رئيس السلطة التنفيذية في البلاد، تقول: الحمد لله « العراق بخير».

لكن- مع الأسف الشديد- الواقع العام لحقوق الإنسان العراقي داخل المعتقلات وخارجها سيء، ويندى له الجبين خجلاً من الخراب الذي لحق به!

وقبل يوم من تصريح المالكي، وتحديداً يوم 9/12/2012، وصف صالح المطلك نائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات الأوضاع الجارية في السجون العراقية بالمُعيب والمُخجل، وأن «الانتهاكات موجودة في المعتقلات، وتتمثل بوجود حالات تعذيب، واعتقال أشخاص من دون اعتماد مذكرات قبض، وأن وسائل التعذيب موجودة بمختلف الأساليب، فضلاً عن اعتقال أشخاص من دون صدور مذكرات قبض قضائية».

هذا ما يقوله نائب المالكي نفسه، بينما يتكلم المالكي عن عالم آخر، بعيد كل البعد عن الواقع الأليم الذي يعيشه الشارع العراقي.

سياسة الاذلال المتبعة في «العراق الجديد» هي جزء من سياسة ممنهجة تهدف لتغييب، أو إذلال، أو تهجير كل من لا يؤيد الأوضاع الشاذة في الوطن!

وآخر ضحايا التغييب، هو الإعلامي (سمير الشيخ علي) الذي قتل في وسط بغداد بظروف غامضة، في جريمة أثارت العديد من ردود الأفعال المستنكرة، من منظمات محلية ودولية تُعنى بالحريات الصحفية!

هذه التصريحات غير الواقعية، هي جزء من الاستخفاف بعقول المواطنين العراقيين، وإلا فان الحكومة تَعلم، قبل غيرها، أن المواطن العراقي يَعْرف حقيقة ما يجري في البلاد، وأن الساسة فشلوا فشلاً ذريعاً، وآخر صور تدميرهم للبلاد فضيحة الأسلحة الروسية، والتي تَكْفي بمفردها لتكون سبباً لإسقاط أكبر الحكومات، لكن اللغز العراقي يختلف عن بقية الألغاز في العالم؛ لأنه لغز حُبكت خيوطه بإحكام من قبل أغلب المشاركين بالعمل السياسي الجاري في البلاد، وبالتالي فهم يعرفون الحل الدقيق لهذا اللغز، لكنهم لا يريدون أن يصلوا لهذه المرحلة؛ لأن ذلك يعني أن خيوط اللعبة ستنكشف للجميع، وحينها سيكون القول الفصل بيد الشعب العراقي الذي لا أعتقد أن صمته سيستمر طويلاً!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى