عجيب أمرك يا عراق!




الوطن هو البيت والأهل والراحة والأمان والمتعة البريئة والحب والسلام، وليس هو مجرد مساحة من الأرض ولدنا على ثراها، وترعرعنا عليها، ثم في لحظة من الزمن هجرناها، أو هُجرنا منها.


والإنسان العاشق لوطنه حريص عليه، أكثر من كل ما يملك، فمثلما يحرص الإنسان على أبنائه أن يكونوا من المتميزين، إلا أن الوطن أعز من النفس والأبناء والأموال، ولا يَعرف قيمة الوطن وقدره إلا من أُجبر على فراقه، رغماً عن أنفه.

وعليه، ورغم كل مواقفنا الرافضة لما يجري في العراق: من نهب وتخريب وتدمير وسفك للدماء وهتك للأعراض، وفساد مالي وإداري، رغم كل هذه البلايا، فإننا لا نفرح، ولا نُفاخر حينما ننشر، أو نكتب عن دمار العراق؛ لأن المصيبة هي مصيبتنا، وبالتالي، فإننا نهدف لبيان الحقيقة ونشرها للعالم، وليس التنكيل بعراقنا الغالي، الذي لولا حبنا له ما هُجرنا. ولابد من بيان أن الفرق شاسع وواضح وكبير بين العراق، وبين منْ يدعون تمثيله من غالبية السياسيين وغيرهم.

نحن نتمنى أن تكون بغداد أجمل مدن المعمورة، وأن يكون العراق في صدارة دول العالم المتميزة، ولكن- للأسف الشديد- الواقع مخيف، والأمنيات التي نحلم بها مخالفة تماماً لهذا الواقع!.

ومن صور هذا الواقع المربك والمُرعب، المسح العالمي الذي أجرته مجموعة (ميرسر) للاستشارات، ونشر يوم 4/12/2012، والذي أظهر أن العاصمة النمساوية فيينا، مازالت أفضل مدينة يمكن العيش فيها في العالم، بينما حلت العاصمة العراقية بغداد في المركز الأخير، وحلت مدينة دبي في المركز الثالث والسبعين في القائمة، وصنفت على أنها أفضل مدينة للعيش فيها في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، لكن هذه المنطقة تضم (15) مدينة جاءت في المراكز العشرين الأخيرة في الترتيب، ومن بينها نواكشوط وصنعاء والخرطوم، وتذيلت بغداد القائمة!.

وليت شعري كيف يمكن أن تكون بغداد الحبيبة، مدينة الرشيد، والسلام، قبلة العلم والعلماء بهذا الموقع المخجل؟!.

نحن آسفون يا بغداد الحزينة- والله- لا نملك ما نقدمه لك؛ للتخفيف من وقع هذه الكارثة عليك وعلينا، نحن خجلون منك ومن أنفسنا!.

مضت- يا بغداد- تلك الأيام التي كنا نُفاخر بك بين مدن العالم، ولكننا، رغم التحديات الجسام، لن نقف مكتوفي الأيدي، فحبك هو الدافع لأننا نعمل على إعادتك، من جديد، حاضرة من حواضر الدنيا.

وفي يوم 4/12/ 2012، أيضاً أكدت دراسة (مؤشر الإرهاب العالمي)، وهي دراسة دولية معنية بالإرهاب العالمي، صادرة عن معهد الاقتصاد والسلام، أن العراقيين مثلوا أكثر من ثلث ضحايا الإرهاب في العالم، بين عامي 2002 و 2011، وأن العراق شهد القدر الأكبر من الهجمات الإرهابية في ذات الفترة.

إذاً، بغداد في المركز الأخير بين مدن العالم، والعراقيون يمثلون أكثر من ثلث ضحايا الإرهاب في العالم بين عامي 2002 و 2011، فإلى متى سيستمر هذا الخط البياني بالنزول، والانحدار السريع، والتدحرج القاسي؟! وإلى متى سيبقى نهر الدم العراقي جارياً؟!.

عجيب أمرك يا عراق، منذ عقود، وأنت لا تعرف إلا القتل والتهجير والخراب والدمار والأمراض الفتاكة، ونقص الغذاء والدواء، وأنت رغم كل هذا الألم شامخ كالجبال الراسيات، وعصي على أعدائك من الغرباء والأبناء، ومازلت حتى الساعة، تُعلم الدنيا دروساً في الصبر والتضحية والفداء والحب!

ولا أجد عزاءً لي في هذا الموقف، إلا هذه الأبيات التي كتبها شاعر العراق المُهجر عبد الرزاق عبد الواحد:

متى من طول نزفكَ تستريحُ؟

سلاماً أيها الوطن الجريحُ!

تشابكت النصالُ عليك تهوي

وأنت بكل منعطفٍ تصيحُ

وضجَّ الموتُ في اهليكَ حتى

كأنْ أشلائهم ورقٌ وريحُ !

سلاماً أيها الوطن الجريحُ

ويا ذا المستباحُ المستبيحُ

تعثر أهله بعضٌ ببعضٍ

ذبيحٌ غاصَ في دمهِ ذبيحُ !

وأدري كبريائكَ لا تدانى

يطيحُ الخافقان ولا تطيحُ

لذا ستظلٌّ تنزف دون جدوى

ويشرب نزفك الزمن القبيحُ !

سلاما أيها الوطن الجريحُ.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى