كلنا مع الانتفاضة الشعبية العراقية


يمكن تعريف الانتفاضة الشعبية بعبارة بسيطة بأنها تلك الثورة المنطلقة من صفوف الشعب المضطهد، الهادفة إلى تغيير الأوضاع الشاذة والقضاء على الظلم والاستبداد، وهذه الثورات -في غالبها- لا تقف وراءها أجندات داخلية أو خارجية.
ما يجري في العراق اليوم من مظاهرات واعتصامات مفتوحة، وخصوصاً في محافظة الانبار، هي واحدة من أكبر الانتفاضات الشعبية الكبرى في تأريخ العراق الحديث، وهي لم تكن من أجل شخص السيد رافع العيساوي وزير المالية في حكومة المالكي، واعتقال حمايته من قبل أجهزة الحكومة القمعية، وإنما هي تراكمات لسنوات طويلة من الظلم والطغيان والتهميش والغربة في داخل الوطن وخارجه!
وبهذه المناسبة لابد من بيان حقيقة غائبة حالياً، وهي أن مصير السيد العيساوي سيكون مشابهاً لمصير نائب رئيس الجمهورية السيد طارق الهاشمي؛ حيث إن الأيام ستظهر ذات السيناريو الذي نُفذ ضد الهاشمي وحمايته، وسيطل علينا العقيد محمود العيساوي آمر فوج حماية وزير المالية رافع العيساوي، ليعترف أمام الملأ، عبر فضائية العراقية الحكومية المختطفة، أن السيد الوزير قد أمره بتنفيذ عمليات اغتيال لشخصيات عراقية، وهذا ما بدأت بتسريبه بعض وسائل الإعلام القريبة من الحكومة!
أسباب الثورة الشعبية، أو «الربيع العراقي»، كثيرة منها: الاعتقالات العشوائية المستمرة، والقتل خارج نطاق القانون، والظلم والتهجير والإهمال الحكومي الواضح للبنى التحتية والفوقية بينما ميزانية البلاد تعد من الميزانيات الضخمة في المنطقة، وآخر المآسي التي تعرض لها العراقيون هو الفيضانات التي داهمت بيوتهم في مدينة بغداد وبعض المحافظات الأخرى ليلة الثلاثاء الماضي، وبقي غالبية المواطنين مستيقظين حتى الصباح لتقليل حجم الأضرار التي اصابت ممتلكاتهم؛ نتيجة عجز شبكات المجاري عن استيعاب الأمطار التي هطلت على العراق في تلك الليلة!
وكل هذه المضايقات الملموسة وغير الملموسة جعلت العراقيين في مقدمة الشعوب التي لا تشعر بالسعادة والفرح، بل لا حتى بطعم الحياة ذاتها، وفي يوم 25/12/2012، كشفت مؤسسة غالوب الأمريكية -والمتخصصة باستطلاعات الرأي- عن أن العراقيين من الأفراد الأكثر تعاسة في العالم، حيث طرحت المؤسسة خمسة أسئلة على البالغين في العديد من دول العالم تكون الإجابة عليها بـ(نعم) أو بـ(لا)، ومن بين هذه الأسئلة: «هل ابتسمت، أو ضحكت يوم أمس؟»، و»هل عوملت بشكل جيد واحترام طوال يوم أمس؟».
نتيجة الاستطلاع أظهرت أن الاجابات بـ(لا) جعلت العراقيين في المرتبة الثالثة، قبل الأخيرة في قائمة التُعساء التي بلغت 148 دولة!
كنت أتمنى لو كانت الأسئلة الموجهة للعراقيين على النحو الآتي:
هل نمت من غير قلق، أو خوف ليلة أمس؟
وهل تتوقع اعتقالك هذه الليلة أم لا؟! وغيرها من الأسئلة التي تُظهر حجم الرعب والخوف في حياة المواطن العراقي!
الثورة الشعبية أظنها هذه المرة ستستمر وبقوة، وأعتقد أن هذه الاعتصامات ستكون عرساً وطنياً شعبياً؛ حيث من المتوقع أن تنطلق مسيرات مماثلة لمليونية محافظة الانبار في الشمال والجنوب والشرق، ولن تتوقف جميعها إلا بعد تحقيق أهدافها، التي أعلن بعض المتظاهرين أن من ضمنها رفع الحيف والظلم عن كل الشعب العراقي، وإطلاق سراح المعتقلين الأبرياء، وفي مقدمتهم النساء، وإعادة التوازن إلى كافة دوائر الدولة المدنية والعسكرية، والابتعاد عن لغة التهديد والروح الطائفية المقيتة.
ما عرضته بعض وسائل الاعلام ليلة الأربعاء من صور منقولة نقلاً مباشراً عن الاعتصام المفتوح في الرمادي -تحت المطر الشديد- يعبر بحق عن نفاد صبر العراقيين في تحمل التصرفات الطائفية والاقصائية التي تنتهجها حكومة المنطقة الخضراء!
أروع ما في اعتصام الانبار المشاركة الشيعية والكردية فيه التي أثبتت انهيار السياسة التقسيمية التخريبية في البلاد.
العرس الشعبي العراقي الذي هو امتداد لثورة 25 شباط 20122 سيستمر ولن يتوقف إلا بتحقيق أهدافه المشروعة، وهذا ما أكده لي أحد شيوخ العشائر المشاركة في هذا العرس، وهذه المرة سيجد حكام المنطقة الخضراء أنفسهم في وضع لا يحسدون عليه، وأسلوب التجاهل لمطالب الجماهير الذي ينتهجه ساسة بغداد سيدفعون ثمنه غضباً عارماً على أسوار المنطقة الخضراء قريباً بإذن الله.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العراقيّون وكِذْبَات نيسان والتناحر المُرتقب!

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!