التسقيط السياسي في العراق... الدايني نموذجًا




 الحراك السياسي الجاري في أرجاء المنطقة الخضراء، منذ الأشهر الأولى للاحتلال وحتى اليوم، مليء بالاحتقانات الطائفية والحزبية والقومية الضيقة. ولم نلمس حتى اليوم عملًا وطنيًا جامعًا يمكن أن يطلق عليه لفظ الخيار الوطني العراقي، وهذا مما يؤكد الحقيقة التي طالما رددها الوطنيون العراقيون التي قالوا فيها إن غالبية الأحزاب والشخصيات العاملة في المنطقة الخضراء هم نفعيون إقطاعيون، لا همّ لهم إلا الثراء على حساب الشعب العراقي.

وفي عام 2006، حينما تفشت ظاهرة القتل العشوائي على يد المليشيات الحكومية وغير الحكومية، وبعلم ومباركة قوات الاحتلال الأمريكية. وانتشرت -حينها أيضًا- ظاهرة القتل الرسمي في المعتقلات الحكومية السرية والعلنية، وفي مخابئ المليشيات غير الرسمية، والنتيجة مئات الجثث الملقاة على قارعة الطريق، وعلى إثر ذلك حاول بعض المشاركين في العملية السياسية إبراز هذه الحقائق للحد منها، وإنقاذ من تبقى من المعتقلين، ومن هؤلاء النائب (محمد الدايني)، الذي حاول فضح الإجرام الحكومي في المعتقلات، وخصوصًا في مدينة بعقوبة (45 كم، شمال شرق بغداد)، وعلى إثر هذا النشاط الإنساني والوطني تعرض (الدايني) لهجمة شرسة من شركائه في العمل السياسي الديمقراطي، انتهت باتهامه بتفجير البرلمان في نيسان/ أبريل، 2007.

وعلى إثرها بدأت المحاكمات الغيابية، والتي انتهت بإصدار المحكمة المركزية في الكرخ ببغداد يوم 25/1/2010، حكمًا غيابيًا بالإعدام على الدايني.

وبمرور الزمن، جاءت الحقائق القانونية على عكس كل افتراءات حكومة المنطقة الخضراء، حيث ثبتت براءة الرجل من كل التهم الموجهة إليه، وأصدرت الجمعية العامة للاتحاد البرلماني الدولي، في دورتها المنعقدة في 24 تشرين الأول/ أكتوبر، 2012، والمنعقدة في مدينة كيبيك الكندية، قرارًا بالإجماع يقضي بتبرئة النائب الدايني من تهمة تفجير مبنى البرلمان العراقي عام 2007، الذي اتهمته به السلطات العراقية.

وخلصت اللجان المختصة في البرلمان الدولي، وهو منظمة دولية محايدة إلى أن الدايني بريء من التهم الموجهة إليه.

وجاء في منطوق قرار الاتحاد البرلماني الدولي أنه "نتفق تمامًا مع قرار اللجنة التحقيقية البرلمانية في أن التهم التي وُجهت إلى السيد الدايني كيدية وكاذبة، وهذا ما توصلنا اليه، وأن أفراد حمايته اعتُقلوا وعُذبوا للحصول على شهادات ضده، وهذا يثبت صورة زائفة للمحاكمة والقضاء".

وتوصّلت اللجنة إلى مجموعة حقائق، أبرزها أن الوثائق الرسمية أكدت أن السيد الدايني كان موجودًا في عمّان الأردنية خلال زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى العراق، عندما أطلقت قذائف هاون على المنطقة الخضراء.

وتأكد للجنة التحقيق البرلمانية أن الدايني كان موجودًا في مكان تفجير البرلمان العراقي في أبريل/ نيسان 2007، وكان يشارك زملاءه في إسعاف المصابين ونقلهم إلى المستشفى، كما ثبت للجنة أن "الانتحاري الذي فجّر البرلمان دخل بمساعدة رئيس مجلس النواب السابق محمود المشهداني".

وسجّلت اللجنة أيضًا عدم دستورية وقانونية الإجراءات في رفع الحصانة عن الدايني لعدم توافر النصاب القانوني، وأن البرلمان انتهك القواعد القانونية، كما تأكد للجنة التحقيق البرلمانية المشكلة عدم وجود حادثة جنائية قتل فيها (100) شخص قروي في قرية التحويلة في ديالى.

وهذا القرار الصادر من البرلمان الدولي يؤكد الأساليب الكيدية التي تنتهجها حكومات المنطقة الخضراء ضد كل من لا يتفق معها في أساليبها الطائفية التدميرية.

وحينما كان الدايني تحت قبة البرلمان عمل بكل جد من أجل فضح الانتهاكات الصارخة التي تمارس بحق المعتقلين في السجون الحكومية، وتميز بشجاعة قلّ نظيرها من قبل الكثير من زملائه في البرلمان!

وسبق لي أن التقيت بالدايني في لقائين صحفيين لجريدة البصائر العراقية، وحينها أكد لي بتاريخ 15/7/2006 أن "البرلمان تم تشكيله على أساس طائفي، ولو رجعنا إلى الوراء قليلاً، لوجدنا كل شيء قد جاء على المحاصصة الطائفية، بحيث نبدأ من العملية الانتخابية كيف جرت؟ والشوائب الكثيرة التي تشوبها، فقد حصل تزوير، وتزوير كبير".

وبخصوص التدخل الإيراني في الشأن العراقي، قال الدايني: "نحن في العملية السياسية، التي تقودها أمريكا المحتلة لبلادنا نعتقد أن أمريكا، عندما أقبلت على احتلال العراق، جاءت بأجندة، وهذه الأجندة مدروسة من الساسة الأمريكان أصحاب القرار، أمريكا قامت وخاصة في السنة الثالثة بتقديم العراق على طبق من ذهب إلى إيران، وهذا عمل معروف لدى الكل، وحتى المواطن البسيط يعرف ذلك، بعد أن تكشفت الأمور بشكل واضح لدينا، ولجميع الذين عرفوا اللعبة الأمريكية، أي أن من ضمن هذه الأجندة أجندة إيرانية، أي الأجندة الأمريكية والإيرانية متداخلة فيما بينها، حيث جيء بفرق الموت المنظمة والمدربة والمدعومة من المليشيات، وهذه لها وجود كبير داخل جزء من الكتل السياسية، وتدعم بشكل مباشر، وأمام الأنظار من أجهزة المخابرات الإيرانية!!".

وحينما سألته: كيف تثبت ذلك؟

رد قائلاً: "قبل أسبوع في ديالى، وتحديدًا في المقدادية (شهربان)، وذلك بإلقاء القبض على (12) إيرانيًا كانوا يستقلون سيارة مدير شرطة قضاء الخالص العميد (ضياء التميمي)، حيث كان أخوه يسوق هذه السيارة، التي يستقلها الإيرانيون معه، وكان في داخلها كمية كبيرة من الأسلحة، منها: القاذفات، والبي كي سي، ومفرقعات تفجير، لكن تدخل اللواء الركن (غسان الباوي) مدير شرطة ديالى لدى العقيد (إسماعيل الجبوري) مدير شرطة المقدادية؛ لغرض الإفراج عن هؤلاء الإيرانيين والسيارة، وفعلاً تم الافراج عنهم والعجلة التابعة للعميد (ضياء التميمي).

وكان الإيرانيون يقومون بإحراق وتفجير المساجد في المقدادية، وتحديدًا الاعتداء على مسجد المقدادية الكبير داخل المدينة، وقبل يوم قاموا بإحراق مجمع تجاري في السوق في المقدادية أيضًا، وهذا ما اعترفوا به."

أما بخصوص الانتهاكات التي وقعت في المعتقلات في مدينة بعقوبة قال الدايني: "الانتهاكات بدأت منذ قدوم الاحتلال حيث بدأ الإنسان العراقي لا يأمن على حاله حتى حين يكون داخل منزله، ومثال على ذلك عند زيارتنا إلى سجن بعقوبة، وجدنا ما وجدنا، مما يندى له الجبين من انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان؛ وجدنا المعتقلين يغتصبون، ويعذبون بشتى أنواع التعذيب.

فمنهم من قلعت أظافرهم، ومنهم من تم (كيهم) من خلال مكواة الملابس، وصعقه بالكهرباء.

وذلك كله لأن القوات الأمنية بنيت على أساس ما عملت عليه القوات الأمريكية في أبو غريب، وهذا ما أعلن عنه البنتاغون قبل أسابيع، واعترفوا بهذا الأمر، علمًا أن القوات الأمنية مخترقة من المليشيات، وهذه تعمل ضمن أجندة خارجية مرتبطة في إيران".

 وبتاريخ 18/2/2007 أكد ليّ الدايني في لقاء صحفي آخر، "أن القوات الأمريكية في المرحلة الماضية فتحت المجال لتغلغل كبير للمخابرات الإيرانية، وهي سمحت  لهم أن يدخلوا في جميع مفاصل الدولة، وأن يشكلوا فرق موت وميليشيات حرقت المساجد وقتلت الأئمة والخطباء وقتلت العراقيين وسرقت أموال الشعب العراقي، وهؤلاء أعلنوا الحرب على الشعب العراقي الجريح، وخلال أعمالهم الإجرامية كانت قوات الاحتلال توثق لهم كل شيء ابتداء من القتل والذي تجاوز مليون شهيد منذ عام 2003 إلى اليوم، ناهيك عن جرائم الاعتقال بلا مبرر قانوني والتهجير الطائفي وغيرها من الجرائم التي يحاسب عليها القانون؛ ويعمل الأمريكان على إستراتيجية تخدم مصالحهم وليس مصالح الشعب؛ وتم إصدار مذكرات اعتقال بحق  أكثر من (150) من المسئولين في البرلمان والدوائر التابعة للدولة، وقد بدؤوا في  هذا الأمر على أرض الواقع وذلك  بالبحث عن  النائب (جمال جعفر محمد)، وهو نفسه (أحمد المهندس) عندما قامت بإصدار مذكرة قبض بحقه بتهمة تفجير السفارتين  الأمريكية والفرنسية في الكويت وإدارته لفرق الموت وهو المشرف على خطف 250 شخصًا من وزارة التعليم العالي".

وحينما سألته: مَنْ مِنَّ الحكومة قام بتبليغ جيش المهدي بالهروب إلى خارج العراق؟ قال الدايني: "الحكومة الحالية ما هي إلا جزء كبير من الميليشيات، والأمريكان ليس لديهم ثقة بالحكومة؛ كون أي معلومة من قبل الأمريكان لهم (أي للحكومة) سيتم تسريبها إلى الميليشيات، وكثير من قادة الميليشيات في البرلمان والحكومة".

وبخصوص فرق الموت قال الدايني: "أمريكا تعرف كل شيء عن فرق الموت والميليشيات، لكن لا يوجد لديها خيار إلا دعم حكومة المالكي، والورطة الكبيرة التي وقعت فيها أمريكا في العراق أنها هي التي شنت الحرب على العراق، لكن المنتصر فيها هو إيران عن طريق الميليشيات والتدخل المباشر حيث يوجد أكثر من (65) ألف جندي إيراني في بغداد وحدها".

وعن اتهامه للشيخ جلال الدين الصغير بإيواء فرق الموت، وتخزين أسلحة في مسجده، وفيما إذا يملك أدلة على هذا الرجل؟ قال الدايني: "لدينا كم هائل من الوثائق والملفات على تورط زميلي الشيخ جلال الدين الصغير بهذا الأمر، ولدينا اعترافات من أناس قد فروا هاربين من جامع براثا، وخير دليل أيضًا هو مداهمة القوات الأمريكية لهذا المسجد يومي 14/16 من الشهر الجاري والمعروفة في كافة وسائل الإعلام". 

وبخصوص الفضائح الكبيرة التي نشرت عن سجن بعقوبة الكبير والتي أسندت بتقارير طبية تبين تعرض المعتقلين فيه إلى تعذيب واغتصاب، وإلى أين وصلت التحقيقات فيها؟ وهل يمكن إطلاعنا عليها؟ قال لي الدايني: "لا نتائج تحقيق في أي انتهاكات قد اكتشفت في المرحلة السابقة؛ هناك تستر كبير من الحكومة الحالية والسابقة كون كثير منهم متورط في هذه الاتهامات، أين التحقيق في سجن الجادرية الذي وجد فيه أكثر من 224 عراقيًا؟!"؟

قصة الدايني هي نموذج من مئات حالات الظلم والافتراء المستمرة في العراق، والأسلوب الذي نفذت به، هو من أخس الأساليب، التي تعكس حقيقة الروح الانتقامية المُسيرة لغالبية ساسة المنطقة الخضراء وحقدهم على كل ما من شأنه كشف الستار عن الجانب المظلم من حياة العراقيين.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى