ميزان الارهاب في العراق



يتصور المرء أحيانا أنه وصل إلى درجات، أو مستويات يكون فيها بمنأى عن المحاسبة، وأقصد بالمحاسبة مراقبة الضمير وتأنيبه، أو حتى القانون العام، ناهيك عن القانون العرفي حيث آراء الناس التي لا تترك الظَلمة، وأيضاً التاريخ الذي يُسجل مواقف الخير والشر معاً.
هذا المغرور المتغطرس يظن أنه قادر بما يمتلك من قوة آنية على اعدام من يشاء، أو إعفائه، أو اعتقاله، أو اطلاق سراحه، وهذا صنف من أصناف «الدكتاتوريين الديمقراطيين».
هذا النهج الدكتاتوري يُسَّوق اليوم في العراق على أنه «ديمقراطية» تَسْتَحِق الاحترام، وأن تكون نموذجاً يحتذى به في المنطقة، وهذا لعمري قمة الاستخفاف بالنفس، وبعقول الآخرين.
ساسة العراق بعد عام 2003، وصلوا إلى مديات مخيفة من الاستخفاف بمشاعر الملايين، وخصوصاً شريحة المعتقلين وذويهم، فهم منذ عدة أشهر، يلعبون بمشاعر هؤلاء الأبرياء؛ عبر الترويج بأن هنالك قانون عفو عام مرتقب، والنتيجة هواء في شبك!
ورغم هذه الوعود الفارغة، وهذه الحرب النفسية، نجد أن الحكومة لم تتوقف عن كيل الاتهامات الباطلة بحق المعتقلين، ففي يوم 3/9/2012 كشف مصدر مقرب من الحكومة -رفض الكشف عن هويته للصحفيين- عن أن «قانون العفو العام يحتوي على بنود خطيرة تسمح لبعض الإرهابيين بالخروج من السجن، وهذا القانون سيعود بالبلد إلى أيام التدهور الأمني في عامي ٢٠٠٦»،  وأن هذا « القانون -في حال اقراره- سينسف جهود الحكومة خلال الأعوام السابقة لتحسين الواقع الامني، وأن من يريد التصويت عليه، ويحاول إخراجه إلى النور وراءه دوافع سياسية تهدف إلى اعادة البلاد إلى المربع الأول».
وعلى النقيض من هذا الكلام، رأت النائبة عن القائمة العراقية عتاب الدوري أن التصويت على قانون العفو العام بات ضرورة ملحة، خاصة أن الكثير من الأبرياء يمكثون خلف القضبان من دون وجه حق، أو جرم يرتكب، سوى أنهم ذهبوا ضحية للمخبر السري!
مقابل هذا السيل العارم من الاتهامات الحكومية للمعتقلين، رأينا في مسيرة حكومة المالكي الطائفية السعي الحثيث لتقريب المليشيات الارهابية الإجرامية، وآخرها تقريبها لـ»عصائب أهل الحق»، المتهمة بعمليات إرهابية ضد المدنيين العراقيين!
هذا الكلام ليس من جيبي الخاص، ولا هو أضغاث أحلام، إنما هو معلومات نشرت في يوم 22/4/2012، من قبل معهد كارنيغي الدولي للبحوث، الذي كشف النقاب عن تقارب رئيس الوزراء (نوري المالكي) مع «عصائب اهل الحق» التي وصفها المعهد بأنها الشريك الجديد للمالكي، ولاسيما في انتخابات مجالس المحافظات التي من المزمع اجراؤها في العام المقبل، فضلاً عن ميول المالكي الشخصية وسعيه الحثيث للحصول على ولاية ثالثة في رئاسة الوزراء. ومن صور هذا التقريب، بحسب المعهد الامريكي «سماح المالكي للعصائب بالاحتفال في ساحة التحرير ببغداد، وإقامة احتفال خاص في كانون الثاني الماضي»!
فمنْ الذي قرب هذه العصابات الإجرامية يا «دولة رئيس الوزراء»؟!
وبموجب أي قانون تمت هذه الصفقة؟!
في الميزان الحكومي العاطل نجد أن الذين قاوموا المحتل الأمريكي إرهابيون، أما الإرهاب الذي مارسته المليشيات الطائفية الإجرامية، فهذا إرهاب، ولكنه «إرهاب ديمقراطي» مسموح به عند حكومة المالكي، في ظل قوانينها المخالفة لأبسط الأعراف والأخلاق العروبية والإنسانية!
هذه التناقضات في إدارة البلاد، تؤكد أن الحكومة لا تملك بوصلة، ولا ميزاناً، ولا مقياساً محدداً تُقَيّم فيه الجماعات والأشخاص، وهذا قمة الانحدار السياسي!
اتهام الحكومة لهؤلاء الأبرياء بأنهم ارهابيون، لن يغير الحقائق التي يعرفها جميع العراقيين، وهي أن غالية المعتقلين هم أبرياء، وهم أطهر من أن تدنس أيديهم بقتل العراقيين.
غالبية هؤلاء الأبرياء من المعتقلين، أو ممن سبق وأن اعتقلوا، سواء من كانوا منهم في داخل العراق، أو خارجه، يجب أن تعاد إليهم حقوقهم كاملة، ويتم تعويضهم وتكريمهم؛ لأنهم أسمى وأنبل من أن يكونوا من الإرهابيين الذين يؤذون أهلهم، ويخربون بلادهم!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العراقيّون وكِذْبَات نيسان والتناحر المُرتقب!

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!