سرطان الخوف




الخوف هو الشعور المرعب الذي يحيل حياة الشخص إلى قبر متحرك يجعله ينسى كافة صور الجمال والمتعة التي تملأ الحياة الجميلة.

والحياة في زمن الرعب من الظلم أن نسمي صاحبها أنه من الأحياء؛ لأن الإنسان بلا طمأنينة، ولا أمان عبارة عن كائن مرعوب يتحرك من مكان إلى آخر، وهو مليء بالرهبة من الغائب المخيف القريب.

والخوف ربما يكون أحياناً حالة طبيعية في مراحل الحرب وانتشار الأوبئة، لكن لا يمكن تصور وجوده في حالة” السلم” في بلاد يدعي قادتها أنهم قدموا شيئاً يُذكر لوطنهم.

والعراقيون بعد العام 2003، وجدوا أنفسهم أمام صور جديدة من مشاهد الرعب والخوف والإرهاب، ومنها القنابل التي تنفجر في كل زمان ومكان، والاعتقالات العشوائية التي تلي الانفجارات المقصودة في هذا الحي السكني، أو ذاك، وهذه الاعتقالات ممزوجة بالإهانة والسب والضرب، والجوع والعطش والحرمان من النوم!

والاعتقالات في بلاد الرافدين مستمرة على قدم وساق بحجة البحث عن مطلوبين، وتخليص البلاد من الإرهابيين، ونحن جميعاً نريد لبلادنا الطمأنينة والقضاء على الإرهاب، لكن ما يجري هو ظلم وتعسف واعتقالات لا مبرر لها، وإعدامات خارج نطاق القانون.

وفي كل ساعة تطالعنا وكالات الأنباء بأن قوة أمنية اعتقلت مجموعة من المطلوبين في منطقة ما، وهذه الاعتقالات تشمل كل العراق، عدا محافظات الشمال ( دهوك واربيل والسليمانية) التي هي خارج نطاق السيطرة الحكومية!

والواقع أن الرعب أنواع ودرجات، فهنالك الرعب الديكتاتوري، وهو الذي يزرعه الزعيم المتجبر في نفوس مواطنيه عبر أجهزته التي تتدرب على انتزاع الرحمة من قلوبها، وهذا الرعب هو بداية النهاية لمثل هذه الأنظمة.

وهناك الرعب الديمقراطي، وهذا أشر من النوع الأول؛ لأنه مغلف بالشعارات البراقة، بينما الصورة من جانبها الآخر ملطخة بدماء الأبرياء، وحرياتهم المكبلة.

هذا النوع من الرعب الديمقراطي يمكن أن يظهر بأبهى صوره في العراق اليوم، وهو لم يتوقف عند العراقيين فقط، بل تعدى ذلك إلى الأشقاء العرب الذين حملتهم الغيرة العروبية للدفاع عن أهلهم العراقيين أيام الغزو الأمريكي فوجدوا أنفسهم في ساعة من الزمن خلف القضبان بتهمة الإرهاب، واجتياز الحدود بطرق غير قانونية!

الساسة الذين يريدون بناء دولهم عليهم قبل كل شيء أن يحبوا أبناء بلدهم، وأن يكونوا جزءًا من الحل وليس جزءًا من المشكلة؛ لأن هذه الاعتقالات تؤكد حالة الكراهية والحقد المتغلغلة في نفوس هؤلاء المسؤولين للمواطنين؛ والقيادي الناجح هو الذي يعامل المواطنين كعائلته.

ورغم هذه القسوة تحاول بعض الجمعيات المدنية والتجمعات والهيئات المناهضة للاحتلال رصد بعض أرقام هذه الاعتقالات عبر ما تُعلنه وسائل الإعلام الحكومية، ففي يوم 8/8/2012، رصد قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين (146) حملة دهم وتفتيش معلنة، نفذتها القوات الحكومية خلال تموز الماضي، ونتج عنها اعتقال (1302)، فيما تم اعتقال (2033) مواطناً، بينهم عدد من النساء في شهر حزيران الماضي! 

وهكذا تستمر هذه الحكاية في كل صباح ومساء!

هذه الاعتقالات تتم بواسطة (المخبر السري)، الذي باع ضميره للشيطان، ويكون مصير المغدورين بسببها، في ظلمات المعتقلات التي ازدادت في زمن الديمقراطية!

وبعد حملات الاعتقال يدخل الأهالي في دوامة المساومات لإطلاق سراح المعتقل البريء، وهذه المفاوضات تنتهي بدفع ما لا يقل عن عشرة آلاف دولار أمريكي، وتضطر أغلب العوائل- في هذه الحالة- لبيع ما تملك من مقتنيات العمر، بل إن بعض الناس باعوا بيوتهم التي يملكونها، وانتقلوا لبيوت أخرى بإيجار شهري، أو في مناطق تكون فيها أسعار البيوت أقل، والفرق يدفع لرجال الأمن الساهرين على أمن وراحة المواطن!

وبعد جولات وجولات، يذل فيها العزيز، ويُهان فيها الكريم، يُفرج عن الأبرياء بهذا الثمن الباهظ، أو ذاك، فإلى متى ستستمر هذه الصور القاتمة في بلاد يقول ساستها إنهم أنقذوا البلاد من “ديكتاتورية مستبدة”؟!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى