لنتعلم الإخلاص من الآخرين



الفساد حالة مرضية تنمو وتستفحل في ظل انعدام، أو غياب، أو ضعف القانون والضمير والوازع الديني والأخلاقي.
ولا يمكن تحديد تعريف واضح للفساد؛ لأنه ربما يكون أخلاقياً، أو سلوكياً، أو فردياً، أو جماعياً، وهو بعبارة بسيطة: التحلل من الضوابط الذاتية والقانونية والمجتمعية الضابطة لسلوك المسؤول في موقعه، أو الفرد في المجتمع؛ مما يؤدي إلى سلوكيات خاطئة، وكسب غير مشروع.
والإنسان -أي إنسان- سواء أكان مسؤولاً أم مواطناً عادياً، ينبغي له التعلم من التجارب البشرية التي تقود بمحصلتها إلى حياة بشرية راقية ومنظمة يعرف فيها كل مواطن ما له، وما عليه.
ومن التجارب الإنسانية الجديرة بالتقدير والاحترام، القرار الجريء الذي أصدرته رئيسة ليبيريا ايلين جونسون سيرليف، في يوم 21/8/2012، وذلك بإيقافها لابنها تشارلز سيرليف، وهو نائب لمحافظ البنك المركزي و(45) مسؤولاً آخرين عن العمل؛ وذلك لعدم الإعلان عن أرصدتهم لسلطات مكافحة الفساد، في أول خطوة كبرى تتخذها الرئيسة لمحاربة الفساد في بلادها.
هذه الشجاعة التي جعلت هذه الرئيسة تتناسى عاطفة الأمومة، وتُعلي صوت القانون، هي السلم المُوصِل للاعمار، وهي المُعول الفعّال في تدمير جذور الفساد واقتلاعها.
ومقابل هذه الجرأة في العلاج، نقف مبهورين أمام الفساد المستشري في عموم «الدولة العراقية» بعد عام 2003، ففي يوم 20 آب/أغسطس، 2012، كشفت وكالة (اور) العراقية عن آخر صور الفساد الخاصة بوزارة الصحة؛ حيث استوردت الوزارة كميات كبيرة جداً من دواء مضاد للإمساك، تقدر قيمتها بملايين الدولارات، وصلاحية العلاج الذي وزع بشهر شباط الماضي تنتهي في تموز الماضي». وأن «المسؤولين في الوزارة، وعند اقتراب نفاد صلاحية الدواء باشروا توزيعه بكميات كبيرة جداً، وطلبوا من المراكز الصحية تصريف العلاج بأي طريقة، حتى وإن كان بإتلافه»!
وفي يوم 2/2/2012، أكد تقرير أصدره مكتب «لجنة المفتش العام الخاص لإعادة إعمار العراق» التابعة للكونجرس الأمريكي، استناداً إلى معلومات من البنك الدولي، أن العراق هو أحد أقل دول العالم مقدرة على ضبط الفساد، وأن «القضية تتعلق بعدم كفاية الأنظمة القانونية التي وضعت بعد اجتياح العراق عام 2003».
وفي يوم 31/8/2012، كشف محمد علاوي وزير الاتصالات العراقي الذي أقاله رئيس الحكومة الحالية نوري المالكي من منصبه أن من أهم أسباب إقالته: هي رغبة الحكومة بتمرير كثير من العقود الفاسدة، وأبرزها عقد ما يسمى «بوابات النفاذ الخاصة بتمرير الاتصالات الخارجية من وإلى العراق»، حيث تقدمت للوزارة ست شركات، لكن ما حدث أنه تم إبرام العقد مع شركة فرنسية فيها عراقيون ولبنانيون، فرضها علينا رئيس الوزراء، وهو من طلب مني الموافقة على هذا العقد.
وسبق للمالكي أن صرح «أن الفساد في العراق لا يقل خطورة عن الإرهاب»! فكيف يمكن التوفيق بين الموقفين يا» دولة رئيس الوزراء»؟!
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن هذه الشركة قدمت وثائق ثبوتية مصدقة من السفارة العراقية في باريس على أنها شركة كبيرة، ودخلها السنوي يفوق على المليار ونصف المليار دولار، ولها أكثر من (12) بوابة نفاذ في (24) دولة حول العالم.
ويضيف الوزير المُقال: وكان ضمن الإجراءات المعمول بها، هي أن تقدم الشركة كفالة مصرفية بعشرة ملايين دولار، واكتشفنا بعد ذلك أنها مجرد شركة صغيرة، فقالوا: نحن نمتلك شركة أيرلندية، وزودونا بوثائق مصدقة من السفارة العراقية بأيرلندا، وتبين فيما بعد أن هذه الشركة الأيرلندية وهمية»!
وختم علاوي كلامه بالقول: وبعد أن انكشفت لنا الحقائق، أوقفت العقد الذي أُبرم بدون علمي، وهذا ما أثار حفيظة الأطراف الأخرى، ومنهم المستشارة في وزارتنا التي قالت لي بالحرف الواحد: «كيف تجرؤ على عدم توقيع عقد مع شركة طلب منك رئيس الوزراء التعاقد معها؟»».
فساد اتخذ اشكالاً وصوراً مختلفة، منها المناصب الوهمية، ونهب المال العام عبر الرواتب الضخمة، والعقود الخيالية، والابتزاز واستخدام السلطة لأغراض شخصية.
أبناء وأقرباء بعض المسؤولين العراقيين متورطون في الكثير من ملفات الفساد التي تدينهم، ولا أحد يجرؤ على الوقوف بوجههم الآن؛ بسبب تسلطهم على رقاب الضعفاء، ولكن ستأتي المرحلة التي تنكشف فيها كل هذه الحقائق، ولن يفلت هؤلاء المفسدون من القضاء العراقي النزيه، وسينالون –حينها- جزاءهم العادل.
كل هذه المهلكات تحدث في بلاد الرافدين، والنتيجة شعب معدوم، ونخب مترفة، وبلاد مدمرة!
فمتى نتعلم من الآخرين كيفية التفاني من أجل خدمة الوطن والمواطن، أم أن «ديمقراطية العراق الجديدة» ملغمة بالفساد والدمار والقتل والتهجير، ولاشيء غير ذلك؟!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى