العراق وموريتانيا منْ يساعد منْ؟



العقل والمنطق يؤكدان أن الدعم المادي يكون من الدول الغنية إلى الدول الفقيرة، والدعم الأمني يكون من الدول الآمنة إلى الدول المليئة بالرعب والإرهاب، وهكذا الأمر في كافة مجالات التعاون المختلفة بين الدول.


وهذا التبادل المادي والتجاري والأمني والخدمي بين الدول ليس غريباً، وإنما هو جزء من استمرارية الحياة حيث لا يمكن للدول، أو حتى الافراد أن يكونوا بمعزل عن غيرهم، إلا أن المدهش هو أن تُقدم الدول التي تعاني من خراب في الملف الامني دعماً “ كاملاً” لدول أخرى تعاني من ذات الكوارث التي تحصد الأرواح صباحَ مساء!

وفي هذا الملف الشائك المتناقض، أعلن وزير الدفاع العراقي وكالة (سعدون الدليمي)، بعد لقائه نظيره الموريتاني يوم 21/9/2012، عن استعداد العراق لتجهيز موريتانيا بكل ما تحتاجه من الأسلحة لمكافحة الارهاب هناك، وأن “العراق مستعد لقبول الطلبة الموريتانيين في الكلية العسكرية العراقية، كما ابلغناهم باستعداد العراق لتدريب الضباط الموريتانيين لمكافحة الإرهاب”.

ومقابل هذا “الكرم التسليحي” نرى أن عراق اليوم عبارة عن كتلة من القنابل والعبوات الناسفة التي تنفجر في كل ساعة هنا وهناك، وحتى نؤكد هذه الحقيقة، وسأحاول تناسي التفجيرات اليومية التي تهز العراق منذ احتلاله حتى لحظة كتابة هذا المقال، وسأكتفي بذكر بعض أرقام ضحايا التفجيرات التي وقعت خلال ثلاثة الأشهر الأخيرة من هذا العام ( تموز وآب وأيلول).

ففي يوم 1/8/2012، أوضحت الاحصائية الرسمية التي أصدرتها وزارات الدفاع والداخلية والصحة في العراق، أن حصيلة القتلى خلال شهر تموز، بلغت (325) شخصاً معظمهم من المدنيين نتيجة التفجيرات المختلفة والهجمات. 

وفي يوم 16/8/2012 أفادت تقارير صحفية تتعلق بآخر إحصائية عن التفجيرين الكبيرين اللذين هزا بغداد بأن عدد ضحاياهما ارتفع إلى (195) شخصاً بين قتيل وجريح، وذلك بعد يوم دامٍ من التفجيرات التي حصدت نحو (326) عراقياً في مختلف المحافظات، منها بغداد، والتأميم ونينوى والأنبار والكوت ومحافظة صلاح الدين وأقضية طوزخورماتو والدجيل وبلد.

في يوم 7/9/2012 أكدت مصادر طبية بمحافظة التأميم أن (88) شخصاً سقطوا بين قتيل وجريح جراء سلسلة من التفجيرات هزت مدينة كركوك. 

وفي يوم 9/9/2012 اجتاحت مدينة بغداد وبعض المحافظات الأخرى سلسلة من التفجيرات المروعة التي طالت رقعة جغرافية واسعة ضمت مناطق: الوشاش، والنهروان، والتاجي، والحرية، والمدائن، والشعلة، ومدينة الصدر، وهذه جميعها تقع في بغداد، وكذلك طالت هذه التفجيرات محافظات صلاح الدين وميسان والتأميم، وأسفرت التفجيرات التي سببتها سيارات مفخخة وعبوات ناسفة عن سقوط عدد كبير من الضحايا، بلغت حصيلتهم نحو ثلاثمائة قتيل وجريح. 

وفي يوم 28/7/2012 أكد عضو “لجنة الامن والدفاع” النائب (شوان محمد طه) في البرلمان العراقي الحالي أن حكومة المالكي لم تنجح حتى الآن في بناء استراتيجية أمنية واضحة، على الرغم من المخصصات المالية الكبيرة لقطاع الأمن سنوياً، وأن” غالبية التحقيقات التي تجريها حكومة المالكي في التفجيرات الحاصلة بالبلاد تسجل ضد مجهولين؛ بسبب ضعف الجانب الاستخباري لدى قواتها الأمنية، فضلاً عن وجود صفقات سياسية ومالية مشبوهة بين الجهات المتنفذة في الحكومة تجرى خلف الكواليس للتغطية على المجرمين الذين يرتكبونها”!

وهذه شهادة برلماني عراقي، هو عضو في لجنة الأمن والدفاع، فكيف يمكن لموريتانيا أن تستفيد من التجربة العراقية؟!

وفي يوم 31/8/2012 أكد خبير دولي في”المنظمة الدولية لمكافحة الإرهاب” أن الأجهزة الأمنية في العراق تعمل بنظام متخلف في رصد “الإرهاب”، وأن أجهزة الكشف عن المتفجرات في البلاد، هي أكذوبة ليس بمقدورها كشف المتفجرات، أو الأسلحة!

عموماً، وفي ظل هذه الاحصائيات الدقيقة القريبة، والشهادات الفنية والبرلمانية العراقية والأجنبية، فانه لا يمكن تفهم المعادلة الغريبة التي بموجبها يُقدم العراق المساعدات للآخرين، بينما تعاني بلادنا من انهيار شبه تام في الملف الأمني!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى