البرلمان العراقي وإهداره للمال العام




المادة (50) من الدستور الحالي للعراق تذكر أن عضو مجلس النواب يؤدي اليمين الدستورية أمام المجلس، قبل أن يباشر عمله، بالصيغة الآتية:
(اُقسم بالله العلي العظيم، أن أؤدي مهماتي ومسؤولياتي القانونية، بتفانٍ وإخلاص، وأن أحافظ على استقلال العراق وسيادته، وأرعى مصالح شعبه، وأسهر على سلامة أرضه وسمائه ومياهه وثرواته ونظامه الديمقراطي الاتحادي، وان أعمل على صيانة الحريات العامة والخاصة، واستقلال القضاء، والتزم بتطبيق التشريعات بأمانة وحياد، والله على ما أقول شهيد).
هذا القسم الذي ردده أعضاء البرلمان، وأقسموا فيه على رعاية مصالح الشعب العراقي، والسهر على سلامة ثرواته، لا يصدقه الأداء المخجل لبرلمان المنطقة الخضراء.
فقبل أيام، وتحديداً يوم الخميس 23/2/2012، صوت البرلمان الحالي، وبأغلبية مطلقة على شراء (350) سيارة مصفحة للنواب البالغ عددهم (325)، بقيمة (60) مليار دينار، (نحو (50) مليون دولار)، «دون أي اعتراضات، أو مناقشات»، وجاءت عملية التصويت على القرار في ذات اليوم الذي أقرت فيه الموازنة السنوية للعام الحالي، والبالغة (100) مليار دولار.
مصدر برلماني أكد للصحافة أن «لجنة شؤون أعضاء البرلمان اقترحت المشروع» السيارات المصفحة»، وحصلت على موافقة جميع الكتل، وبينها كتلة التحالف الكردستاني، والعراقية، والتيار الصدري، ودولة القانون، بزعامة رئيس الحكومة الحالية نوري المالكي.
وبعد عملية التصويت، حاولت الكتل البرلمانية الانسحاب من تبعات القرار، وإلقاء اللوم على الكتل الأخرى؛ وذلك بعد الهيجان الشعبي ضد القرار، « والحقيقة أن الجميع صوتوا لمصالح شخصية وليس لمصالح عامة، والأمر لا يتعلق بالقضايا الإستراتجية»، وهذا الكلام للمصدر البرلماني الذي رفض الإفصاح عن اسمه خوفاً، وحرصاً على المصالح الشخصية والحزبية!
مقابل هذا البذخ والإسراف نجد - يا من أقسمتم على الوفاء والإخلاص- أن البلاد تحتاج إلى مئات المشاريع؛ في ظل الخراب المستشري في جسد «الدولة» الحالية.
ومقابل، هذه المليارات التي تهدر من اجل حفنة من الأشخاص» أعضاء البرلمان» الذين لم يقدموا شيئا يذكر للعراق حتى اليوم، نلاحظ أن العراق يعاني من كوارث بيئية وخدمية وصحية وتعليمية وتربوية، وسأذكر هنا - على سبيل المثال لا الحصر- تصريحات النائب (عادل الشرشاب) رئيس لجنة التربية في البرلمان الحالي، الذي أكد يوم 28/2/2012، أن « العراق بحاجة إلى بناء ستة آلاف مدرسة في الوقت الحاضر، وإننا نحتاج إلى عشرين سنة لبناء هذا العدد من المدارس وفقاً للتخصيصات الحالية ضمن الموازنة»، وهذا الكلام أكدته النائبة (نجيبة نجيب) عضو اللجنة المالية البرلمانية التي شددت على أن النفقات الحكومية كثيرة، وأن التخصيصات المالية لعموم الوزارات لا تغطي الحاجة!
وبلغت ميزانية وزارة التربية نحو مليار دولار من مجموع الموازنة، أي ما نسبته 1%، فهل يعقل أن تخصص هذه الملايين لسيارات شخصية لأعضاء البرلمان، والبلاد تعاني من خراب في عموم مفاصل الحياة، ومنها قطاع التعليم الحيوي، الذي يعد الركيزة الأساس لبناء الأجيال القادمة؟!
المخجل أن نواب البرلمان الحالي تجدهم أسرع من البرق في تنفيذ القرارات التي تعود عليهم بالنفع الشخصي، ومنها الرواتب الخيالية، والأراضي السكنية المميزة من حيث الموقع والمساحة، والرواتب التقاعدية لمرحلة ما بعد الانتهاء من خدمة الأربع سنوات «المضنية في البرلمان»، ومخصصات الحمايات، والجوازات الدبلوماسية، وآخرها السيارات المصفحة، وأمام كل هذه السرعة في القرارات نجدهم مترددين في اتخاذ قرارات فاعلة وحيوية، ومنها قانون العفو العام وغيره من القرارات التي -ربما- ترفع بعض الظلم والحيف عن كاهل العراقيين.
وهنا أقول لأغلب رجال البرلمان: ألم تكتفوا من امتلاك الفلل الفخمة، والقصور الفارهة في دمشق وعمان والقاهرة وشمال العراق ودبي ولندن، وغيرها من مدن العالم التي لم تكونوا تحلمون بزيارتها، فضلاً عن التملك فيها؟!
 أين القسم الذي رددتموه، وأين الإخلاص الذي وعدتم الله، ثم الشعب العراقي بالعمل بموجبه، هل تعتقدون أنفسكم أنكم دهاة، أم أنكم سراق للمال العام، باسم القانون والدستور؟!
هذه الأموال المسروقة، باسم القانون، لن تذهب هباء، وستعود للخزينة الوطنية المنهوبة اليوم، ولن تفلتوا من الحساب الجماهيري المرتقب.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى

الذاكرة العراقية على حافة النسيان!

مليون أرملة في العراق الجديد