يوم الأم العراقية أم يوم الدم؟

ليس في العالم وِسَادَةٌ أنعم من حضن الأم، عبارة تستحق أن نكتبها بماء الذهب، كتبها الشاعر الانكليزي (وليم شكسبير)، وهي تعكس حقيقة الحنان والصدق والطيبة الفطرية، غير المصطنعة، التي ينعم بها الإنسان من أمه، تلك الإنسانة التي تحترق من اجل أولادها، فمنهم من يبرها، ومنهم من يعقها.
وهي على الرغم من عقوق بعض أولادها تبقى نبعاً للحنان والوفاء، وحبها هو الحب الصافي الصادق النبيل الذي لا تخالطه مصالح مادية سفلية دونية؛ لأنها مدرسة لصلة الأرحام، وهي كائن لا يعرف الحقد، بل هي بستان مليء بكل الثمار الطيبة، فهنا شجرة للرقة، وهناك نخلة للصبر، وهنالك ثمرة للحب، وهي بكلمة مختصرة الأرض التي تحملنا على ظهرها على الرغم من أذيتنا لها.
المرأة ذلك المخلوق الشفاف الذي خلقه المولى سبحانه من ضلع أبينا آدم، لتكون الأم والأخت والزوجة والبنت، وبعض هؤلاء النسوة يمكن أن يكون حبهنّ مزوراً إلا الأم، فان حبها حب فطري، صاف لا تشوبه أي شائبة من أدران الدنيا.
ومنذ القدم، كُتبت مئات القصائد والكلمات التي يحاول أصحابها إبراز سعة ذلك الكائن الرقيق: الأم، واعتقد انه مهما كتب الكتاب من كلمات لا يمكنهم أن يصفوا لحظة حنان من يد إلام الدافئة؛ لأن هذه من الأمور الذوقية التي لا يمكن وصفها، بحال من الأحوال.
وقبل أسبوع تقريباً، احتفل العالم باليوم العالمي للأم، والحق أن الأم لا يمكن أن يكون لها يوم واحد في السنة؛ لأن هذا من العقوق الذي لا تستحقه أمهاتنا جزاء لما قمن به من اجلنا منذ أن كنا، في يوم من الأيام، جزءا من أجسادهن الطيبة، وحتى آخر لحظة من حياتنا، أو حياتهن.

وحسبنا قول الشاعر أبو العلاء المعمري:-

العَيْـشُ مَاضٍ فَأَكْـرِمْ وَالِدَيْـكَ بِـهِ

والأُمُّ أَوْلَـى بِـإِكْـرَامٍ وَإِحْـسَـانِ

وَحَسْبُهَا الحَمْـلُ وَالإِرْضَـاعُ تُدْمِنُـهُ

أَمْـرَانِ بِالفَضْـلِ نَـالاَ كُلَّ إِنْسَـانِ.
والأم العراقية الصابرة كان نصيبها كبيراً من الظلم والضيم والابتلاء في «العراق الجديد»، عراق ما بعد عام 2003، وبينما كنت أتابع برنامجاً مباشراً يتعلق بالاحتفالية بيوم الأم، على شاشة إحدى القنوات الفضائية، اتصلت سيدة عراقية وقالت: إنها لا تشعر بحياتها؛ لأنها تنتظر ابنها المفقود منذ أكثر من أربع سنوات، ولا زالت حتى الساعة تحلم أن تلتقي به، وتقول إنها لا تريد من هذه الحياة إلا أن تقر عينها بابنها الذي ينبئها قلبها بأنه ما زال من الأحياء!
والواقع أن هذا هو حال مئات الآلاف من الأمهات اللواتي فقدن أبناءهن في «حرب التحرير للعراق»! أو من اللواتي غيب أبناءهن في المعتقلات السرية والعلنية «الديمقراطية»!
وقبل أسبوع تقريباً، توفيت سيدة عراقية في الثانية والثلاثين من العمر من سكان ولاية كاليفورنيا الأمريكية في المستشفى بعد أيام من تعرضها لاعتداء عنيف يعتقد أن دوافعه عنصرية، كما ذكرت وسائل الإعلام الأميركية، وذلك في ذات اليوم الذي كان العالم يحتفل فيه باليوم العالمي للام، والمغدورة تدعى (شيماء العوضي)، وهي أم لخمسة أبناء، ويبدو أن قدر العراقيين أنهم لن يُطلقوا القتل والاغتيال أينما ذهبوا!
الأم هي الوطن، هي الأهل، هي النبع الصافي للحب الصادق، هي المدرسة الراقية، والحنان المتميز، والدفء السرمدي، والجنة الأرضية.
يومك يا أمي يعني بالنسبة لي، يوم البكاء والألم، والحنين لكل لحظة لم تقتلها آهات الزمان، وما زالت حية في ذاكرتي.
أمي أنت بغداد، أنت العراق، أنت دجلة، وأنت الفرات، وأنت الأهل والوفاء والطيبة، وأنت شلال الحب الممتع الذي جمعنا في يوم من الأيام.
أمي أريد أن أصرخ بكل ما أملك من قوة؛ لعل صوتي يصل لقبرك البعيد عني، وأقول لك: إني أحبك يا أمي، لقد حرموني من زيارتك دعاة «الديمقراطية»!، وأملي ورجائي أن أزورك في يوم من الأيام؛ لأخبرك بما عملته بي الغربة: مرض، وسقم، وألم، لا يمكن أن يوصف، ولا يعرف حرقته، إلا أنت الحبيبة الوفية الصادقة.
أمي، رغم رحيلك عن هذه الدنيا الفانية، إلا أنك ما زلتِ في ضميري، فكل أمهات العراقيين هنّ أمهاتي، اللهم ارحم أمهات العراقيين، وألهمهن الصبر والسلوان، ومتعن بالصحة والأمن والأمان، اللهم آمين.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى