دستور العراق آكلة الوحدة الوطنية

الدستور في كل بلدان الدنيا هو الضمانة الأكيدة للوحدة الوطنية والمصالح العامة، ويتم وضعه بعناية فائقة من أجل تنظيم شؤون الدولة الداخلية والخارجية، وتحقيق طموحات المواطنين، إلاّ في العراق فإنّ دستور الدولة بعد عام 2003، وضعت فيه عشرات القنابل الموقوتة التي نسمع بانفجارها بين حين وآخر، ومنها المادة (140) المتعلقة بما يسمى «المناطق المتنازع» عليها، وهي بعبارة بسيطة مناطق يقول الساسة الكرد أنّها تابعة لهم، بينما الوقائع التاريخية تؤكّد أنّها جزء من العراق الواحد.

وكذلك المواد الدستورية المتعلقة بما يسمى تكوين الأقاليم، ومنها المواد (119)، (117)، والمادة (121)، وكل هذه المواد تمنح السلطات المحلية في المحافظات الحق في إعلان الأقاليم، وعلى هذا الأساس الدستوري يجري هذا التفتيت للعراق اليوم، فالمادة (119) تنص على أنّه يحق لكل محافظة، أو أكثر تكوين إقليم بناء على طلب بالاستفتاء عليه، يُقدم إما بطلب من ثلث الأعضاء في كل مجلس من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الإقليم، أو بطلب من عُشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تشكيل الإقليم.

ولم يقف الدستور عند هذا الحد من التخريب للبلاد، بل نجد أنّ المادة (117) تنص على أن يقوم الإقليم بوضع دستور له، يحدد هيكل سلطاته وصلاحياته، وآليات ممارستها على ألاّ يتعارض مع هذا الدستور!

وتنص المادة (121) أنّ لسلطات الأقاليم الحق في ممارسة السلطات التشريعية، والتنفيذية، والقضائية وفقاً لأحكام هذا الدستور، ويحق لسلطة الإقليم تعديل تطبيق القانون الاتحادي، في حال وجود تناقض، أو تعارض بين القانون الاتحادي، وقانون الإقليم بخصوص مسألة لا تدخل في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية، وتخصص للأقاليم والمحافظات حصة عادلة من الإيرادات المحصلة اتحادياً، تكفي للقيام بأعبائها ومسؤولياتها، مع الأخذ بعين الاعتبار مواردها وحاجاتها، ونسبة السكان فيها.

والواضح أنّ من زرعوا هذه المواد لم يدركوا حقيقة تبعاتها التدميرية، فكيف يمكن قبول ما ذُكر في المادة (121)، من أن يكون من حق الأقاليم أن تؤسس مكاتب للأقاليم والمحافظات في السفارات، والبعثات الدبلوماسية لمتابعة الشؤون الثقافية، والاجتماعية، والإنمائية، وتختص حكومة الإقليم بكل ما تتطلبه إدارة الإقليم، وبوجه خاص إنشاء وتنظيم قوى الأمن الداخلي كالشرطة والأمن وحرس الإقليم. ألا يعني ذلك دعوات للانفصال، وتكوين دول داخل الدولة الواحدة؟!

وفي ضوء هذه الثغرات القانونية الدستورية صرنا نسمع في كل يوم، تقريباً، دعوات للأقاليم، وآخر هذه النداءات انطلقت من محافظة ديالى (45 كم شمال شرق بغداد)، حيث صوت أعضاء مجلس المحافظة يوم 12/12/2011، بالأغلبية على إعلان المحافظة إقليماً إدارياً واقتصادياً، فيما وقّع غالبية أعضائه طلباً رسمياً موجهاً إلى الحكومة المركزية بشأن القرار.

والغرابة ليست في هذا الطلب فقط، وإنما في التهديد الصادر من «قائمقامية قضاء الخالص»، التابع لمحافظة ديالى، يوم 13/12/2011، بالانفصال والانضمام إلى العاصمة بغداد في حال أصر مجلس محافظة ديالى على تمرير قرار إعلان المحافظة إقليماً مستقلاً إدارياً واقتصادياً.

هذه أبسط إشكاليات الدستور الملغوم، محافظات تطالب بالاستقلال، وأقضية صغيرة تهدد بالالتحاق بمحافظات أخرى، وكأنّ البلاد سائبة، وكل له الحق في أن ينفّذ ما يراه صحيحاً؟!

العجيب أنّ الكثير من ساسة المنطقة الخضراء يدّعون اليوم أنّهم ضد الكثير من فقرات الدستور، ومنها فقرة الفيدرالية، التي أصبحت معولاً يستند عليه كل من يريد تخريب، وتفتيت العراق!

والحقيقة الساطعة للعيان، أنّهم هم الذين رتبوا المؤامرة ضد العراق منذ الساعات الأولى، واشتركوا، وما زلوا، في تنفيذها. فمن الذي وقع على الدستور في احتفالية مهيبة؟ ومن الذي اعتبره دستوراً يتباهى به العراق بين دول المنطقة؟ ومن الذي جاء بالمحتل غيركم، ومن، ومن، ومن؟! من غيركم يا ساسة العراق الجديد؟!

أجمل ما في اللعبة أيها الساسة أنّكم تقتلون القتيل وتمشون في جنازته، لكن هذه اللعبة لن تنطلي على العراقيين بعد اليوم، فات الأوان، وجاء وقت الحساب العادل.





تعليقات

  1. وجد الدستور لأجل التشظي والتشتت وليس هناك شيء يسمى باالوحدة الوطنية .

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى