من المتهم..القضاء، أم المالكي، أم الهاشمي؟

القضاء هو الملجأ للجميع، من أجل إحقاق الحق، وما من حضارة في الكون إلاّ وازدهرت عبر العدل والمساواة بين المواطنين، وما من أمة من الأمم أو دولة من الدول إلاّ وانهارت بسبب الظلم، ولهذا ورد في الأثر: أنّ الله لينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، وإن الله ليخذل الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة.

والعراق، مع الأسف الشديد، اختلفت فيه الكثير من المعايير والثوابت بعد عام 2003، ومنها كارثة تسييس القضاء، التي ضربت المؤسسة القضائية العراقية، والتي هي محط احترام الجميع، في الصميم.

وأغلب ساسة العراق اليوم إذا قلت له: السلام عليكم، يقول لك: سأرى هل هنالك فقرة في الدستور تسمح لي أن أرد عليك، أم لا؟!

وعند مراجعة الدستور العراقي، الذي كتب عام 2005 تحت مظلة الاحتلال الأمريكي، نلاحظ التركيز على مبدأ فصل السلطات، حيث أكّدت المادة (47) على: أنّ السلطات الاتحادية تتكون من السلطات التشريعية، والتنفيذية، والقضائية تمارس اختصاصاتها، ومهماتها على أساس مبدأ الفصل بين السلطات.

وحددت المادة (87) طبيعة السلطة القضائية بوصفها مؤسسة مستقلة، وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، فيما أكدت المادة (88) أنّ القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، ولا يجوز لأيّ سلطة التدخل في القضاء، أو في شؤون العدالة.

والإشكالية القضائية السياسية، أو الكيدية القضائية تمثّلت بأبها صورها يوم 19/12/2011، وذلك حينما عرضت وزارة الداخلية اعترافات لثلاثة من عناصر حماية طارق الهاشمي نائب الرئيس، بشأن قيامهم بتفجيرات و"أعمال إرهابية" بتوجيه من الهاشمي، وصدرت إثر ذلك مذكرة توقيف بحقه من قبل مجلس القضاء الأعلى.

وفي محاولة للوصول إلى حالة توافقية، كما هو الحال في جميع مشاكل العراق الجديد، دعا الرئيس الطالباني نائبه الهاشمي لزيارة "إقليم كردستان"، حتى يكون بعيداً عن بغداد، ومنذ ذلك اليوم والهاشمي مستقر في السليمانية.

وفي يوم 21/12/2011 أعلن الهاشمي أنّه مستعد للمثول أمام القضاء لكن ليس في بغداد، وإنما في "إقليم كردستان"، على أن يحضر التحقيق والاستجواب ممثلون عن الجامعة العربية، ومحامون عرب من أجل ضمانة التحقيق.

والغريب أنّ الهاشمي أكّد امتلاكه أدلة قوية تؤكّد تورط جهات محسوبة على السلطة بعمليات عنف، وأنّ جهات خارجية طلبت منه مطالب إذا لم ينفّذها فستعرض تلك الاعترافات!

وفي ذات اليوم قال نوري المالكي رئيس الحكومة: "قبل ثلاث سنوات قدّمت ملفاً باعترافات مصدقة إلى هيئة رئاسة الجمهورية عن المخالفات التي ارتكبها نائب رئيس الجمهورية، وكنت أصبر من أجل العملية السياسية"!

فإذا كان رئيس الحكومة ونائب الرئيس في العراق "الجديد" يتستران على المجرمين، فكيف سيكون حال الضعفاء الذي يخافون على أنفسهم وأعراضهم في بلاد تعيش تحت مظلة قانون الغاب؟!

وبعد أن تم ترتيب أوراق قضية الهاشمي توافقيا، وفي الوقت الذي أعلنت فيه قيادة عمليات بغداد أنّ القوات الأمنية "ملزمة" بتنفيذ أمر القبض على الهاشمي "في جميع المناطق دون استثناء"، نجد أنّ مجلس القضاء الأعلى يقرر بتاريخ 26/12/2011 إعادة التحقيق، الذي أُجري من قبل قاضٍ منفرد، في الاتهامات الموجهة للهاشمي، بحسب بيان المجلس.

هذه القضية الخطيرة التي قادت البلاد إلى أزمة لم تنته لحد الآن، هل يعقل أن تتم بواسطة قاض واحد فقط؟! أم أنّ الأمر دُبِّر بليل؟!

وكلامي هنا ليس بخصوص اتهام الهاشمي أو براءته، لكن في كيفية تسييس القضاء وتسلُّط حكومة المالكي على ميزان العدالة! في وقت تدّعي الحكومة أنّها تحترم الدستور وتلتزم بفصل السلطات!

وصدق الشاعر (معروف الرصافي) حيث يقول:

أنا بالحكومة والسياسة جاهلُ

عما يدور من المكائد ِغــافل ُ

لكنني هيهات أفـقهُ كـــــــوننا

شعبا ًيتامى جـُلـّه ُوأرامـــل ُ

في كل ّيوم ٍفتنة ٌودســـيسة ٌ

حربٌ يفجّرُها زعيم ٌقـــــاتل ُ

هذا العراقُ سفينة ٌمسروقــة ٌ

حاقت براكـــينٌ بها وزلازل.




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى