الغدر بشهداء العراق



البلدان التي تقع ضحية المؤامرات الدولية، والخيانات الداخلية تدفع الكثير من دماء أبناءها ثمناً لتحريرها، ولخلاصها من المحتل المخرب، وأعوانه الأشرار.

وما حصل في العراق يشبه تماما ما تعرضت له فلسطين من مؤامرة دولية، وعلى الرغم من ذلك، ومنذ 2003 شمر العراقيون عن سواعدهم ليقفوا بالمرصاد لجنود الاحتلال وأعوانه، وقدموا نتيجة لذلك مئات الآلاف من الشهداء، الذين تشهد لهم مدن الفلوجة، والموصل، وبغداد، وأم قصر، والديوانية، وبعقوبة، وغيرها من مدن العراق التي أقسم أهلها أنهم لن يدعو المحتل الحاقد ينعم بشمس الرافدين الجميلة، ولا بخيرات العراق الوفيرة، وكانت ثمرة هذا الجهد المقاوم المبارك أن وُقعت الاتفاقية الأمنية بين حكومة المالكي وقوات الاحتلال؛ لتتخلص أمريكا بموجب هذا الاتفاق مما وقع لها من إحراج دولي بسبب هزيمتها النكراء في العراق، وللهروب من قساوة ضربات المقاومة الباسلة.

ووفقاً للاتفاقية، التي تم التوقيع عليها نهاية عام 2008، فإن الجنود الأمريكيين، وعددهم (131) ألفاً – حينها - أقاموا في قواعد عسكرية خارج المدن العراقية، على أن يتدخلوا في العمليات العسكرية داخل المدن بالتنسيق والطلب من القوات الحكومية، وعلى وجوب أن تنسحب جميع قوات الولايات المتحدة من جميع الأراضي والمياه، والأجواء العراقية، في موعد لا يتعدى 31 كانون الأول من العام 2011 الحالي، وذلك بعد أن انسحبت قوات الولايات المتحدة المقاتلة بموجب الاتفاقية، من المدن والقرى والقصبات العراقية في 30 حزيران 2009.
نسبة كبيرة من المتابعين للشأن العراقي يعتقدون أن الانسحاب الأمريكي المزعوم نهاية العالم الحالي، هو انسحاب شكلي؛ حيث إن أمريكا ستستعيض عن تلك القوات بالشركات الأمنية ورجال الـ(CIA)، الذين سيكونون بالآلاف ضمن موظفي سفارة أمريكا في بغداد، وقنصلياتها في المحافظات.

هذا الانسحاب لم يكن ليحصل لولا الدماء الطاهرة التي سالت في عموم البلاد من رجال العراق الأبي من المقاومين وغيرهم، وهذا جهد لا يمكن نكرانه؛ لأنه حقيقة ساطعة سطوع الشمس، وكل المحاولات في هذا الإطار مصيرها الخيبة والفشل الذريع.

وفي هذه الأيام نسمع بتصريحات مخجلة من هنا، أو هناك يحاول من خلالها بعض ساسة العراق " الجديد" سرقة جهد المقاومة الباسلة، وذلك بادعاء تدخلهم، أو دورهم في تحقيق النصر (الانسحاب).

ومن هذه التصريحات المؤلمة ما ذكره رئيس حكومة المنطقة الخضراء نوري المالكي في يوم 22/10/2011، التي ادعى فيها أن الانسحاب الأمريكي يعتبر مناسبة تاريخية بالنسبة للشعب والجيش العراقيين، وأن العراق سيواصل التفاوض مع الإدارة الأمريكية للتوصل إلى صيغة تمكن المدربين العسكريين الأمريكيين من العمل في البلاد بعد الانسحاب العسكري.

وبمتابعة كلام المالكي، نفهم منه، وكأنه هو " القائد المحرر للعراق من براثن الاحتلال"، حيث ذكر: " الآن وقد انتهينا من موضوع الانسحاب، سنتمكن من حل مسألة المدربين. سيطلب العراق (من الجانب الأمريكي) استئناف المفاوضات حول عدد المدربين، والمدة التي سيبقون فيها في العراق، وكيفية ممارستهم لعملهم"!!!

وسبق للمالكي أن أكد في كلمة بمناسبة الانسحاب الأمريكي من العراق، في يوم 30/7/2011، أن انسحاب القوات الأمريكية من المدن والبلدات العراقية هو " يوم عزاء" لأعداء العملية السياسية والوطن ودولة القانون، وأن " انسحاب القوات الأمريكية من المدن والقصبات العراقية يؤكد سلامة رؤيتنا منذ بداية عملية التفاوض، فسيادة العراق خط أحمر، لا يمكن تجاوزه بأي حال من الأحوال".

ونحن في العراق، أو كمتابعين للوضع في البلاد، لا ندري ماهي رؤية حكومة المنطقة الخضراء، ولا عن أية سيادة يتحدثون، وهم يعرفون قبل غيرهم أن القرار العراقي مغتصب، ومسلوب وهو بيد السفير الأمريكي في العراق؟!!

وعلى العموم فان هذه المحاولات لا يمكن أن تقلب التاريخ القريب، ولن تغير الحقائق المعروفة للجميع، فكل الشرفاء في العالم يعرفون أن المقاومة العراقية هي التي أجبرت أمريكا على توقيع اتفاقية الإذعان، وإلا فان أمريكا كانت تهدف من غزو العراق أن تغير خارطة المنطقة بما يسمى " الشرق الأوسط الجديد"، إلا أن بسالة العراقيين ومقاومتهم أفشلت، وأجهضت هذا المشروع الاستعماري التوسعي الغاصب الجديد، وجعلت ساسة البيت الأبيض، وقادة البنتاغون يعيدون حساباتهم في المنطقة على أساس أن ما تم التخطيط له لم يتم على الوجه المطلوب، وعليه ينبغي المحافظة على ماء الوجه لأمريكا، باعتبارها القوة الأولى في العالم، وترتيب الاتفاق الأمني مع حكومة المنطقة الخضراء.

تضحيات العراقيين من الشهداء، والجرحى، والمعاقين، والمهجرين في الخارج، والصابرين في الداخل، كل هذه التضحيات مجتمعة هي التي حققت - بعد توفيق الله سبحانه وتعالى - النصر على أمريكا، وستبقى دماء الشهداء الدافع الأكبر للعمل والبناء لبلادنا بعد خروج الاحتلال، وستكون سببا للتكاتف والتلاحم، وتناسي الأحقاد، والعمل لإعادة العراق إلى مكانته السابقة في المنطقة والعالم .



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى