ديمقراتورية العراق الجديد



عنوان المقال" ديمقراتورية"، منحوت من كلمتي "الديمقراطية والدكتاتورية"، حيث كان عنوان المقالة في بداية الأمر "ديمقراطية، أم دكتاتورية العراق الجديد"، فرأيت أن أنحت منهما هذه التسمية، والتي أظن أنّها أقرب للواقع العراقي من العنوان الأول.

الديمقراطية العراقية من أفضل الديمقراطيات في المنطقة، هذا ما قاله رئيس حكومة المنطقة الخضراء نوري المالكي يوم 30 تشرين الثاني 2011، حيث نقل تلفزيون "العراقية" الحكومي عن المالكي قوله في الاجتماع الذي جمعه مع نائب الرئيس الأميركي جون بايدن بحضور عدد من المسؤولين والوزراء: "بدأنا مرحلة جديدة في بناء الدولة، والتجربة العراقية الديمقراطية من أفضل الديمقراطيات في المنطقة".

طبعا، شهادة كل من يكتب ضد العملية السياسية السقيمة الجارية في بلاد القهرين هي شهادة، إن لم تكن مردودة، فهي على الأقل مجروحة، ويقال إنّكم تكتبون، وتتكلمون بهذا الأسلوب، أو ذاك لأنّكم ضد العملية السياسية، ونتائجها أفرزتها صناديق الاقتراع.

ومن أجل إجهاض هذه الحجة، سأنقل هنا شهادات رجال من داخل اللعبة السياسية، ففي يوم 7/12/2011، قال "حامد المطلك" عضو مجلس النواب العراقي: "إننا في العراق لسنا في دولة ديمقراطية حقيقية كما يدّعي البعض، وإنّما دولة أحزاب وأشخاص، والحكومة الحالية لا تتصرّف بشكل متساوٍ بين أبناء الشعب العراقي وعلى أساس القانون، وإنّما على أساس الحزب الواحد، وخير دليل على هذا النهج الحكومي هو الاعتقالات الجماعية التي نشهدها في كل يوم في مناطق معينة وكأنّها عقوبة جماعية لقومية، أو طائفة مقصودة بعينها".

وفي يوم 11 حزيران 2011، شنّ زعيم القائمة العراقية أياد علاوي هجوماً عنيفاً ضد غريمه رئيس الوزراء المالكي، متّهما إياه بأنّه "يقود العراق إلى دكتاتورية جديدة، ونشر البغض والكراهية بين أبناء الشعب العراقي".

وقال علاوي في كلمة متلفزة: "لقد تجاوز البغاة كل الخطوط، وكل القيم، وعبثوا بالبلاد، وأشاعوا، وأهانوا قيم الأمة، وساروا في طريق الطائفية السياسية البغيضة، لقد فتحوا الأبواب أمام القاصي والداني للنيل من العراق".

هذه الشهادة هي من الشريك الأبرز للمالكي في اللعبة الديمقراطية، بل هو الشريك "الفائز" في الانتخابات الأخيرة، وتم الالتفاف عليه، وأكل علاوي الطُعم المسموم في أربيل، حيث تم إرضائه، حينها، برئاسة ما سمي بـ"المجلس الوطني للسياسات الإستراتيجية"، ولم تنفذ نقاط الاتفاق حتى الساعة، وعلاوي، برأيي، سيخرج من اللعبة من غير حصاد يُذكر، رغم تصريحاته المضادة للحكومة، وعلى الرغم من ذلك ما زال الرجل متمسكاً بالعملية السياسية، ولم نلمس منه قدرة على تحمل المسؤولية الأخلاقية والمرحلية ليقف في وجه الحكومة الحالية بصدق، ويعلن تخلّيه عن العمل السياسي معها، وهذا الموقف يسجّل ضد علاوي، شاء أم أبى، ولا يمكن تبرير بقائه باللعبة السياسية إلاّ بسبب قبوله بكل حيثياتها، وموافقته الضمنية على كل الانتهاكات والخروقات الجارية في المعتقلات السرية والعلنية، وفي خط سير السياسات الداخلية والخارجية للبلاد، وأظن أنّ الموافقة الضمنية، أحياناً أشد ضرراً، وهذا ما تعبّر عنه مواقف علاوي المستمر بالنقد والاتهامات، دون أن يترك مقعده في اللعبة!

هذه هي حقيقة الديمقراطية التي يتغنّون بها، ولو أردنا إحصاء التصريحات التي ذكرها أقطاب العملية السياسية الحالية بخصوص غياب الشفافية، وانعدام روح التعاون، وتدنّي الثقة المتبادلة بين الأطراف المتناحرة اليوم في داخل المنطقة الخضراء، وخارجها لاحتجنا لمجلدات كبيرة ولآلاف المقالات.

هي مهزلة باسم الديمقراطية، استخدمت فيها أصوات الأبرياء لتنفيذ أجندات إقليمية، وتصفية حسابات شخصية، وحزبية بين هذا الطرف أو ذاك داخل هذه اللعبة، والخاسر الأول والأخير هو العراق والمواطن المغلوب على أمره.

هذه المهزلة ستستمر طالما أنّ جميع منْ في اللعبة السياسية من المؤيدين للمالكي، والمعارضين له لم، ولن، يفكّروا بترك مناصبهم، وستستمر هذه التصريحات المتضاربة تجاه بعضهم البعض، إلى أن يأتي اليوم الذي ينتفض فيه الشعب العراقي عليهم، ليكونوا حينها عبرة لمن يعتبر.

هذا الليل الطويل المؤلم في العراق سينتهي بفجر قريب مشرق.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى