اتقوا الله بالمهجرين العراقيين


تنقلات الإنسان بين الدول يُعد من السياحة الممتعة للأرواح؛ لأنها تزيد من ثقافته وإطلاعه على عادات، وتقاليد، وأنماط حياة الشعوب الأخرى، وهنالك فرق واضح بين أن تكون هذه الجولة في بلدان العالم اختيارية، وبين أن تكون إجبارية، مرغم عليها الإنسان، فالأولى ممتعة وتبعث البهجة، والثانية مؤلمة، ومن أسباب الألم والتعاسة.

وما جرى في العراق بعد عام 2003، يحمل في طياته صوراً بائسة، لا يمكن نكرانها حتى من قبل الأعداء أنفسهم، معاناة متمثلة بالقتل العشوائي، والاعتقالات المنظمة والعشوائية، والاغتيالات، والاختطاف، والاغتصاب، كل هذه الأنفاق المظلمة دفعت أكثر من خمسة ملايين عراقي للنزوح داخل الوطن وخارجه، بينهم أربعة ملايين توزعوا في أكثر من ثمانين دولة عربية وإسلامية وأجنبية.
الغربة، والتهجير ليست رحلة استجمام من بلد إلى آخر، بل هي اقتلاع للروح من منبتها، وللذكريات من أصولها، هي ولادة جديدة ربما، تكون عسيرة وهذا هو الغالب، وربما تكون يسيرة سلسة، وهذا هو النادر.
والملايين من العراقيين أًجبروا على ترك بلادهم بعد عام 2004، بسبب ما جلبته جبال الحديد الأمريكية، وغربان الشر التي قتلت الابتسامة من شفاه الأطفال، وزرعت الدموع في عيون الأمهات، وابيضت بسببها رؤوس الشباب من الرجال والنساء.
وفي ساعة صراع مع الذات، ترك هؤلاء كل ما يملكون وراء ظهورهم، طمعاً بالحفاظ على أعراضهم وكرامتهم، وليس هرباً من الموت؛ لأن الموت حق، ولا يمكن الهروب منه، والأجل يأتي للإنسان أينما كان.
في لحظة من الزمن هجروا العش الجميل بحثاً عن ملاذ آمن هنا، أو هناك، وفتحت بعض الدول العربية، وفي مقدمتها الأردن وسوريا أبوابها لهم، فوجدوا فيها ملاذاً آمناً على الرغم من الحسرة التي ملئت نفوسهم.
العراقيون في الغربة منهم من فضل طلب اللجوء، واضطر للقبول بحياة جديدة لا يعرف عنها إلا الجانب الوردي، أما آثارها السلبية فإنها ستظهر في المستقبل، بسبب الأهداف الإستراتيجية لموضوع اللجوء، واختلاف العادات، والتقاليد، والأعراف بين المجتمعات الغربية والعربية، وإلا فهل يعقل أن من عبر الآلاف الكيلومترات من اجل قتلنا وتدمير بلادنا، نجده اليوم مليء بالإنسانية والرأفة علينا؟!
والقسم الثاني من العراقيين عادوا إلى العراق، وهؤلاء قلة قليلة؛ لأنهم استهلكوا كل ما يملكونه من المدخرات، بعد أن باعوا ما يملكون في العراق، ورجعوا اليوم إلى بغداد بخفي حنين، ولا اعرف كيف سيبدأون حياتهم هناك؟!
أما القسم الثالث، فهم العراقيون الذين فضلوا البقاء في البلدان العربية المجاورة، وهم - في غالبيتهم- يعانون من ضنك العيش وصعوبة الحياة، إلا أنهم فضلوا الأمن والأمان في هذه البلدان على التوطين، وفي ذات الوقت هنالك عوائق تمنعهم من العودة للعراق، وهم يعيشون حياتهم بين مطرقة الغربة وسندان الحياة الصعبة!!!
المشاكل التي تعاني منها الجاليات العراقية في الدول المجاورة كثيرة، على الرغم من التسهيلات التي تقدم لهم من بعض الحكومات.
ومن هذه صعوبة التحاق أولادهم بالتعليم الجامعي، وذلك بسبب غلاء الأسعار بالنسبة لهم، مما يعني أن مستقبل المئات من شباب العراق اليوم مهدد بالتدمير.
ومن تلك المشاكل أيضاً، نفاد أكثر ما يملكونه من أموال، وفي ذات الوقت فان المنظمات الدولية لا تقدم – لبعضهم- إلا النزر القليل من المساعدات، أما الحكومات المتعاقبة في العراق فإنها تُعاقب هؤلاء بتجاهلهم، وعدم إعطائهم من خيرات العراق، وهي ليست منة من أحد، بل هي حقوقهم، فهم مضطرون للبقاء في الخارج؛ لأنهم مهددون بالقتل والانتهاك لأعراضهم، فإلى متى ستستمر هذه المعاناة في بلاد تنعم بالخيرات من كل حدب وصوب؟!!
معاناة كبيرة، لا يمكن حصرها بمقال واحد، وإنما هي صعوبات مستمرة، تعايشهم يومياً، ولا تنحصر بالتعليم والعلاج والمعيشة، بل هنالك صور قاهرة أخرى اجتماعية وإنسانية.
هذه هي بعض الحقيقة، ولكم الحكم والتعليق.









تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى