آكلة الفساد تنخر الجسد العراقي




عوامل ومعاول التحطيم للعراق مستمرة منذ عام 2003 وحتى الآن، حيث تعاني بلادنا من كارثة، ومؤامرة تضييع لأكبر ميزانية سنوية مرصودة بين دول المنطقة، وجميع المدن العراقية عدا "مملكة المنطقة الخضراء" تعاني من انعدام لأبسط الخدمات، وتتم عمليات الهدر والثراء، عبر جملة من الأساليب القانونية الملتوية، ومنها على سبيل المثال العقود الوهمية، وغير الضرورية، حيث نسمع بعقود لبناء أماكن ترفيهية وتكميلية في حياة المواطنين، في حين تعاني البلاد من شبه انعدام للكهرباء والماء الصالح للشرب، وفقدان الأجهزة الطبية الضرورية لمرضى السرطان والتدرن والكلى، وغيرها من الأمراض الفتاكة التي انتشرت بسبب التلوث البيئي، واستخدام قوات الاحتلال للأسلحة المحرمة دوليا.


ولتأكيد حقيقة الفساد في "العراق الجديد" كشفت هيئة النزاهة العامة بتاريخ 19/ 10/ 2010 أنها تمتلك ملفات عن (6) آلاف موظف مطلوب في قضايا فساد إداري ومالي في دوائر الدولة المختلفة.

والفساد تعرفه موسوعة العلوم الاجتماعية بأنه سوء استخدام النفوذ العام لتحقيق أرباح خاصة، بينما هو في تعريفي الشخصي "غياب الوازع الديني والخلقي والعرفي، وموت الضمير الإنساني في مرحلة ما؛ تقود إلى تحليل الحرام، والتفكير بروح أنانية سفلية".

وبالعودة إلى تقرير هيئة النزاهة نلاحظ أن من بين هؤلاء الـ(6) آلاف هنالك (250) مديرا عاما، وهذا نوع من الفساد الكبير، كما يصنفه الخبراء، وهو (فساد الدرجات الوظيفية العليا من الموظفين)، والذي يقوم به كبار المسؤولين والموظفين لتحقيق مصالح مادية، أو اجتماعية كبيرة، وهو أهم، وأشمل، وأخطر؛ لتكليفه الدولة مبالغ ضخمة.

وهذا يعني أن هناك خللا واضحا في اختيار القيادات الإدارية، لأنها لا تتم طبقا للكفاءة العلمية والخبرة المتراكمة، وإنما تعتمد على الانتماءات الحزبية والطائفية، وهي السياسة المعتمدة في تقسيم المناصب في عموم الوزارات الحالية، وهو جزء من المخطط المخيف الذي يهدف إلى استمرار سياسة التفرقة بين العراقيين.

وعلى العموم فإن مشكلة الفساد من أولى المشاكل التي تعاني منها حكومات "المنطقة الخضراء"، وتسببت بهدر مليارات الدولارات، وقد اتهم بذلك عدد من الوزراء، ولم تصدر أي إحكام بحقهم، كما أن عدداً منهم غادر البلاد بعد افتضاح أمرهم محتمين بجنسياتهم الأجنبية، ومنهم –على سبيل المثال- وزير الدفاع في حكومة علاوي حازم الشعلان، الذي اتهم باختلاس مليار دولار، وبعده أيهم السامرائي الذي اتهم بقضايا فساد في عقود الكهرباء في حكومة علاوي أيضاً، وكان آخرهم وزير التجارة عبد الفلاح السوداني في حكومة المالكي، والذي برئ من التهم الموجهة إليه، وهم جميعاً الآن أحرار طلقاء.

مجالس المحافظات المنتخبة تتحكم وفقاً "للدستور" في تعيين مديري الدوائر الحكومية، وأعضاء المجالس -كما هو معروف- قد تم انتخابهم من قبل أبناء كل محافظة على حدة، وهذا يعني أن من تم انتخابهم فشلوا في أداء مهامهم التي وكلت إليهم، حيث إنهم في الأغلب لم يراعوا المهنية في اختيارهم، وإنما تم مراعاة المحسوبية والحزبية، وهذا ما أظهره التقييم الأخير لمحافظتي النجف وكربلاء، حيث أظهر أن هاتين المحافظتين هما أكثر المدن العراقية فسادا من جهة تعاطي الرشوة، وكان هذا الإعلان سببا لاستياء أهالي المدينتين.

القضاء على الفساد المالي والإداري في البلاد لا يتم عبر المؤتمرات والندوات و"ورش العمل"، وإنما يتم بتفعيل روح المواطنة، واختيار القيادات الكفوءة الصادقة، والابتعاد عن التنصيب لأسباب حزبية، أو طائفية، وكذلك ضرورة تفعيل الجانب الرقابي على كافة دوائر البلاد، وهذه الإجراءات البسيطة، والمهمة ستقود في محصلتها إلى إضعاف استغلال ذوي النفوس الضعيفة لمناصبهم من أجل الثراء الحرام والفاحش على حساب أبناء شعبنا المبتلى بالاحتلال والحكومات المنصبة من قبله.

وفي خاتمة القول نؤكد أن الفساد آكلة تنخر جسد "الدولة العراقية" الحالية؛ لأن الساسة الذين يسمون الأشياء بغير مسمياتها، حيث يسمون الاحتلال "عهدا جديدا للعراقيين"، ويسمون المقاومة "إرهابا"، هؤلاء الساسة مستعدون لتدمير البلاد، وتخريبها بكل ثمن، ولو كان على حساب لقمة العيش لملايين الفقراء، في بلاد هي الثانية من حيث الاحتياطي النفطي في العالم.

الفساد الحقيقي، والذي ما بعده فساد، هو عمل أغلب ساسة المنطقة الخضراء على تخريب النسيج الاجتماعي، والعلاقات الطيبة بين العراقيين، وبناؤها على أسس طائفية، وعرقية، ومذهبية، وبفضل الله، ثم بوعي العراقيين فشل مشروعهم الخبيث، ومثلما فشلوا في مسعاهم لتفريق العراقيين، ستنتصر إرادة الخير على كيد الأشرار في بلاد لم يرسوا مركبها بعد على شاطئ الأمان؟!.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العراقيّون وكِذْبَات نيسان والتناحر المُرتقب!

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!