السوريون في قلوب العراقيين


في أيام المحن والشدائد تنكشف معادن الرجال، ويتضح الموقف الهزيل من الحال الأصيل، ويكتب التاريخ –حينها- مواقف العز بمداد الفخر والرجولة، وينقش مواقف الخنوع بمداد الذل والهوان والخنوع.

وفي عالم السياسة هنالك تمايز واضح بين القرارات السياسية والإرادة الشعبية، وغالبية تلك القرارات لا تمثل في حقيقتها الرغبات الشعبية، وبالتالي يمكن أن تجد قراراً هنا، أو هناك يخالف أبسط الأعراف والقيم السماوية والأرضية والإنسانية، ومن ذلك القرار الذي اتخذته حكومة المنطقة الخضراء في بغداد يوم 20/7/2012، حيث أعلنت «اعتذارها» عن عدم استقبال اللاجئين السوريين بسبب «الوضع الأمني»، وذلك بعد أن سيطرت قوات الجيش السوري الحر على المنافذ الحدودية مع العراق!

هذا القرار الذي واجه انتقادات شعبية كبيرة، حاولت «الحكومة المالكية» تبريره بأنه إجراء احترازي؛ بسبب الوضع الأمني، أو لمنع تسلل «الإرهابيين» إلى أرض الرافدين، وهذا التبرير لا يمكن تقبله بحال من الأحوال، فقد وجدت الحكومة حجة الأمن سبيلاً لتنفيذ أوامر إقليمية صادرة من أسيادها في الشرق والغرب، وكل ذلك يصب في الروافد المسمومة الهادفة إلى خنق الثورة الشعبية السورية، عبر زيادة الأزمات الداخلية في المناطق التي خرجت عن قبضة قوات الأسد.

العراقيون معروفون لأبناء الأمة بكرمهم وإيثارهم إخوانهم العرب والمسلمين على أنفسهم في أشد الظروف والمحن. ومن الإنصاف لهم القول: إن قرار حكومة المنطقة الخضراء لا يمثل الإرادة الشعبية الوطنية؛ لأن الموقف الشعبي واضح تماماً بأنه مع إرادة الشعب السوري، ورافض لكل جرائم القمع ضد الأبرياء والمدنيين العزل.

العراق اليوم بلد مختطف بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معان، فالقرار الرسمي الذي تمثله حكومة المالكي مُسَخَر لصالح الإرادة الأمريكية والإيرانية، وهذا ما يعرفه السياسيون وغير السياسيين، والحراك الشعبي مسلوب بقوة الحديد والنار من قبل أجهزة القمع المالكية، وبالتالي لا يمكن تصور قرارات أصيلة ومنطقية في أغلب المواقف، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي.

وهنا أتمنى على الأخوة العرب، وخصوصاً السوريين منهم، ألا يظلموا العراقيين؛ لأن أبناء الرافدين يتحرقون خجلاً من مثل هذه القرارات التي تعكس حجم التردي في تفكير ساسة المنطقة الخضراء، الذين لا يمثلون ضمير الشعب العراقي، بل يمثلون أحزابهم التي تربعت على حكم العراق بفضل فوهة المدفع الأمريكي، وتكريماً لهم على خيانتهم لكل القيم الأرضية والسماوية، فهم الذين تحالفوا مع «الشيطان الأكبر» من أجل كرسي الحكم في المنطقة الخضراء!

ونحن كعراقيين لا نستغرب مثل هذه القرارات الطبيعية البعيدة عن قضايا الأمة؛ لأن حكام المنطقة الخضراء أهملوا أكثر من خمسة ملايين عراقي ما زالوا حتى الساعة مشردين في خارج وطنهم، بما فيهم أكثر من مليوني عراقي في سوريا التي فتحت أبوابها لهم، فكيف نتصور من حكومة أهملت شعبها أن تفكر بغيره من الشعوب؟!

وفي خطوة استباقية لامتصاص الغضب الشعبي والدولي المتنامي ضدها، وافقت حكومة المالكي بتاريخ 23/7/2012 على فتح الحدود ثانية أمام اللاجئين السوريين.

والواقع أن هذا القرار لا يغير من حقيقة نوايا هؤلاء الساسة تجاه الشعب السوري، حيث تعاملت الحكومة مع اللاجئين خلال اليومين الماضيين وكأنهم معتقلون، وذلك حسب شهادات لهم لأكثر من وسيلة إعلام محلية وعربية، فقد وضعتهم الحكومة ابتداءً في مناطق محاطة بالأسلاك الشائكة، ثم عمدت إلى ترحليهم لمدارس حكومية، ومبان مهجورة، ومارست عليهم في الحالين ضغوطاً أمنية شديدة!

وهذا يؤكد أن تأثيرات الثوابت والروابط العروبية وغيرها لا وجود لها في قاموس هؤلاء الساسة؛ لأنهم يفكرون بروح طائفية حزبية، وكل من يفكر بهذه الروحية السقيمة لا يمكن أن ينظر للأمور من كافة جوانبها، بل ينظر إليها من الزاوية التي تخدم حزبه وطائفته فقط.

عذراً أيها الأخوة السوريون، عذراً يا سوريا الحرة الحبيبة، فنحن خجلون منكم، فأنتم في ضمائرنا وقلوبنا، ونحن مستعدون لتقاسم رغيف الخبز معكم، أما هذه القرارات فنحن بريئون منها أمام الله والناس والتاريخ؛ لأننا غُلبنا على أمرنا من ساسة ظلمونا قبل أن يغلقوا الحدود أمام أجسادكم العارية الباحثة عن الأمن والأمان!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى