ثروات هائلة وشعب فقير



ما من شك أن الناس في العالم منقسمون إلى قسمين، قسم لديه الأموال الطائلة، والقصور الراقية، والسيارات الفارهة، والحشم والخدم، (والحشم هم الرجال الذين يحيطون بالسيد ويكونون عزوة له) وغيرها من صور الترف والبذخ. والقسم الآخر، هم الناس الذين لا يجدون ما يكفيهم، أو ربما لا يجدون قوت يومهم، ولا يعرفون الفرق بين الدينار والدولار، أو بين السيارات الحديثة والقديمة، والمكيفة وغير المكيفة.

وهذا الكلام مقبول في الدول الفقيرة التي لا تملك أية مقومات لقيام الدولة سوى المساحة والسكان؛ لأن الامكانيات المادية للدول هي التي توجه الوضع الاقتصادي العام للدولة، وبالتالي فلكل دولة لها أوضاعها الاقتصادية الخاصة، ولا يمكن توقع المعجزات من حكومات لا تملك ميزانيات معقولة ومناسبة للتحديات التي تواجهها.

والفقر بحسب تعريفات البنك الدولي، يشمل الأفراد الذين يعيشون في الدول منخفضة الدخل، أي الفقيرة، وهي تلك الدول التي ينخفض فيها دخل الفرد عن (600) دولار شهرياً.

والحقيقة أن الفقر يقصد به فقد الانسان ما يحتاج إليه من الحاجيات الضرورية، ومنها الغذاء والدواء والسكن، والماء الصالح للشرب، وغيرها من الحاجيات التي لا يمكن أن تستمر الحياة بدونها، وأما فقد ما لا حاجة إليه من الكماليات فلا يسمى فقراً.

وليس عجيباً أن تسمع بازدياد نسب الفقر في دول أفريقا وغيرها من البلدان الفقيرة، لكن الغريب أن نسمع بازدياد معدلات الفقر في دولة غنية جداً مثل العراق.

وفي يوم 6/7/2012، أظهرت تقارير صحفية أن أكثر من ربع العراقيين يعيشون تحت خط الفقر؛ بسبب الحروب والأزمات السياسية، إضافة إلى عدم عدالة توزيع الثروات فيه.

وقد أكدت بعثة الأمم المتحدة التي وصلت العراق منذ شهر تشرين الثاني من العام الماضي صحة هذه المعلومات، حيث يطال الفقر أكثر من 23% من مجموع السكان البالغ ثلاثين مليوناً.

ومقابل هذه الأرقام المخيفة نجد أن الحكومة عاجزة عن ايصال البطاقة التموينية التي تعتبر المصدر الرئيسي لقوت غالبية العراقيين، والتي كانت تصل اليهم رغم كل الظروف الصعبة في مرحلة ما قبل الاحتلال، وهذا ما أكده في يوم 8/7/2012، النائب (حسن التلعفري) عضو مجلس النواب الحالي، والذي حمل وزارة التجارة مسؤولية الاخفاق في ايصال مفردات البطاقة التموينية للمواطنين، مؤكداً انها لم تبذل الجهود المطلوبة لتأمين مفرداتها لهم، وأنه في حالة الاخفاق في توفير قوت الشعب، فإنه يجب البحث عن البدائل في توزيع البطاقة للمواطنين.

هذه الحقائق المؤلمة في بلاد تملك ثالث احتياطي نفطي في العالم، وهذا ما أكده وزير النفط حسين الشهرستاني، في يوم 4/ أكتوبر/ تشرين الأول,2010, والذي أعلن ارتفاع احتياطي النفط في العراق إلى (143.1) مليار برميل بعد أن كان (115) مليار برميل، والعراق يتوقع أن يبلغ انتاجه حوالي عشرة ملايين برميل يومياً في غضون ست سنوات، بعد أن وقع عقوداً مع شركات أجنبية لاستثمار عشرة حقول نفطية جديدة.

وبحسب الاحصائيات المعلنة عن منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك” فان هذه الأرقام تشكل زيادة بنسبة نحو (25)% عن التقديرات السابقة، وبذلك، يصبح العراق في المرتبة الثالثة عالمياً بعد السعودية (264.59) مليار برميل، وفنزويلا) (211.17) مليار برميل.

هذا هو حال العراق الذي يملك كل هذه الثروات، ورغم هذه الخيرات يعيش فيه، اليوم، أكثر من سبعة ملايين فقير، فهل يمكن قبول هذه التناقضات في وقت أصبح غالبية ساسة العراق من كبار الأثرياء في المنطقة؟!

وهل المناصب تعني فرصة العمر للثراء، أم أن المسؤولية في حقيقتها هي وسيلة لخدمة الفقراء قبل الأغنياء، والضعفاء قبل الأقوياء؟

المسؤولية اليوم بالنسبة لغالبية الساسة العراقيين صارت سلماً، ووسيلة للثراء وإقامة العلاقات المشروعة وغير المشروعة، من أجل تحقيق المآرب الشخصية الضيقة!

ولا أجد عزاءً لهؤلاء الفقراء إلا قول لقمان الحكيم حينما قال لابنه:- ( يا بني أكلت الحنظل، وذقت الصبر، فلم أر شيئاً أمر من الفقر.

فإذا افتقرت فلا تحدث به الناس كي لا ينتقصونك, ولكن اسأل الله تعالى من فضله, فمن ذا الذي سأل الله ولم يعطه من فضله، أو دعاه فلم يجبه؟!).



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى