التزوير القانوني!



التزوير هو الخداع، بل هو أعلى درجات الغش والتحايل على القانون والناس، وهو أدنى دركات السقوط البشري، وهو بالمحصلة آكلة سرطانية تنخر الدولة والإنسان والمجتمع.
والتزوير يكون بدرجات متفاوتة وبأنواع مختلفة، فمنه ما تكون مساحة ضرره واسعة، وهو الغالب، ومنه ما ينحصر ضرره بدائرة ضيقة، ومن ذلك تزوير العواطف والأحاسيس، وهذا في نظري أصعب أنواع التزييف؛ لأنه تدمير للجوانب النفسية والروحية والجسدية، وإضعاف لقيم انسانية بُنيت عليها المجتمعات الراقية.
ومن أنواع الخداع، ما يمكن أن نسميه "تزوير المواقف"، المتمثل بالانقلاب على المبادئ من أجل المصالح الشخصية والطائفية والحزبية؛ وهو يعكس حقيقة ضعف الشخص، أو الحزب، أو الدولة عبر تمييع المواقف، وعدم الوضوح فيها، وخداع الجماهير التي وضعتها ثقتها بهذا الطرف، أو ذاك.
وهنالك أيضاً "التزوير الثقافي" المتمثل بادعاء التحصيل العلمي؛ عبر شراء الشهادات من جهات باعت ضمائرها للشيطان، وارتضت أن تُعطي تزكيات لهذا الشخص، أو ذاك بالتخصصات العلمية والأدبية وغيرها، ويُعد هذا النوع من أشد الأنواع ضرراً على الأمة ومستقبلها؛ لأن المؤسسات التي يقودها مزورون لا يمكن أن تتقدم بحال من الأحوال.
والعراق "الجديد" بعد عام 2003، دخل مرحلة التزوير بمختلف جوانبها التاريخية والسياسية والصحية والاجتماعية والثقافية، بل حتى في المجالات الرياضية.
 ومما جاء بهذا الخصوص في الفصل الثالث من الباب الخامس الجرائم المخلة بالثقة العامة، وذَكر منها التزوير، حيث نصت المادة (286) من قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 المعدل على أن: "التزوير هو تغيير الحقيقة؛ بقصد الغش في سند، أو وثيقة، أو أي محرر آخر بإحدى الطرق المادية والمعنوية التي بينها القانون، تغييراً من شأنه احداث ضرر بالمصلحة العامة، أو بشخص من الأشخاص". وبالنتيجة نحن أمام مادة دستورية منمقة العبارة، إلا أنها ميتة، ولا وجود لها على أرض الواقع!
مستشار القائمة العراقية هاني عاشور أكد في يوم 7/6/2012، أن "عشرات الآلاف من مزوري الشهادات يحتلون الآن بعض المواقع المهمة في الدولة، ووظائف في كل الوزارات والمؤسسات، مع صمت حكومي واضح، في وقت يبحث فيه عشرات آلاف الخريجين وحملة الشهادات العليا عن وظائف يقتاتون منها وعوائلهم، وهو أمر مخالف للدستور والقانون والأخلاق، وعلى الحكومة معاقبة كل المزورين وليس التغطية عليهم".
وسبق لعضو ما تسمى "لجنة النزاهة" في مجلس النواب صباح الساعدي، أن أكد يوم 22/5/2012 وجود (5000) آلاف شهادة دراسية مزورة من درجة الماجستير والدكتوراة، يحملها موظفون كبار وصغار في المؤسسات الحكومية!
وفي يوم 23 أيار/ مايو 2012، كشف المفتش العام في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ناصر البوري عن ضبط أكثر من (13) ألف وثيقة تخرج وشهادة مزورة من مرحلة الإعدادية، ووصولاً إلى شهادة الدكتوراة. وأن عدد الشهادات العليا المزورة التي اكتشفها مكتب المفتش العام منذ تأسيسه عام 2004، ولغاية الآن بلغ (60) شهادة، بواقع (19) حالة تزوير في شهادات الدكتوراة و(41) حالة تزوير في شهادات الماجستير. وأن عدد شهادات المرحلة الإعدادية المزورة قد بلغ -لنفس الفترة- (9627) حالة تزوير، بالإضافة إلى (3726) حالة تزوير بوثائق تخرج للجامعات والكليات والمعاهد، وكتب ووثائق رسمية أخرى!
أغلب أصحاب هذه الشهادات المزورة، هم اليوم في مناصب حكومية عليا، وهذا ما أكده مستشار القائمة العراقية، ويتقاضون ملايين الدنانير كرواتب من قوت الفقراء والعاطلين من العمل، وهم في ذات الوقت مطمئنون إلى عدم ملاحقتهم قانونياً؛ لأنهم ينتمون لهذا الحزب، أو ذاك من الأطراف الحاكمة في المنطقة الخضراء!
بلاد يقودها مزورون ومتآمرون، لا ندري كيف يمكن أن تنهض، وتقدم الخير لأبنائها، وهي العاجزة عن ملاحقة هؤلاء، بل إن بعض المزورين يتمتعون بـ"حصانة سياسية" تجعلهم بمنأى عن الملاحقات القانونية!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى